صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى - : ( وصفة النية أن ينوي رفع الحدث أو الطهارة من الحدث . وأيهما نوى أجزأه ; لأنه نوى المقصود وهو رفع الحدث ) .


( الشرح ) المتوضئون ثلاثة أقسام : ماسح خف ، ومن به حدث دائم كالمستحاضة ، وغيرهما ، ويسمى صاحب طهارة الرفاهية ، فأما صاحب طهارة الرفاهية فتجزيه نية رفع الحدث بلا خلاف ، وأما ماسح الخف فالمذهب الصحيح الذي قطع به الأصحاب أنه تجزيه نية رفع الحدث كغيره ، وحكى الرافعي وجها أنه لا تجزيه بل يلزمه نية استباحة الصلاة ، وهذا الوجه مع شدة ضعفه ينبغي أن يكون مفرعا على الوجه الضعيف أن مسح الخف لا يرفع الحدث عن الرجل وسنوضح ذلك في بابه إن شاء الله تعالى . وأما المستحاضة وسلس البول والمذي وغيرهم ممن به حدث دائم ففيهم ثلاثة أوجه : الصحيح وبه قطع الجمهور لا تجزيهم نية رفع الحدث وحدها ، وتجزيهم نية استباحة الصلاة ; لأنه لا يرتفع حدثهم مع جريانه ، وعلى هذا قال المتولي وغيره : يستحب لهم الجمع بين نية الاستباحة ورفع الحدث . والوجه الثاني : يجزيهم الاقتصار على نية رفع الحدث أو الاستباحة ، حكاه الماوردي والرافعي لأن نية رفع الحدث تتضمن الاستباحة .

( والثالث ) : يلزمهم الجمع بين النيتين وهو محكي عن أبي بكر الفارسي وأبي عبد الله الخضري وأبي بكر القفال المروزي ليكون نية رفع الحدث عن الماضي ونية الاستباحة عن المقارن والمتجدد ، وضعف الأصحاب هذا الوجه أشد تضعيف . [ ص: 364 ] وهو حقيق بذلك ، قال إمام الحرمين : هذا الوجه غلط لا شك فيه فإن نية الاستباحة كافية ، وكيف يرتفع الحدث مع جريانه ؟ وإذا لم يرتفع فكيف تجب نيته ؟ ونقل المتولي الاتفاق على أنه لا يجب الجمع بينهما ، قال المتولي وغيره ولأنه إذا أجزأت نية الاستباحة صاحب طهارة الرفاهية فالمستحاضة أولى .

( فرع ) ذكر الماوردي في صاحب طهارة الرفاهية أنه لو كان محدثا الحدث الأصغر كفاه نية رفع الحدث ، وإن كان جنبا أو حائضا كفاه أيضا نية رفع الحدث مطلقا ; لأنها تنصرف إلى حدثه ، فلو نوى الحدث الأكبر كان تأكيدا وهو أفضل ، وهكذا قطع إمام الحرمين في باب غسل الجنابة ، وجماعات بأن الجنب تجزيه نية رفع الحدث مطلقا ، وحكى الغزالي وغيره فيه وجها أنه لا يجزيه . ولو كان عليه حدثان أصغر وأكبر فاغتسل بنية رفع الحدث مطلقا . فإن قلنا بالمذهب : إن الأصغر يدخل في الأكبر أجزأه وارتفع الحدثان ، وإلا فلا يجزيه عن واحد منهما لأنه لا مزية لأحدهما .

( فرع ) لو نوى المحدث غسل أعضائه الأربعة عن الجنابة غالطا ظانا أنه جنب - صح وضوءه إن قلنا بالمذهب : إن غسل الرأس يجزي عن مسحه ، وإلا فيحصل له غسل الوجه واليدين دون الرأس والرجلين بسبب الترتيب ، ولو غلط الجنب فظن أنه محدث فاغتسل بنية الحدث فقد ذكر المصنف في آخر باب الغسل أنه يجزيه في أعضاء الوضوء ، وقال به جماعات من الأصحاب ، وقال الخراسانيون : فيه وجهان بناء على أن الحدث هل يحل جميع البدن كالجنابة ؟ أم الأعضاء الأربعة خاصة ؟ وفيه وجهان سنذكرهما إن شاء الله تعالى . فإن قلنا : نعم صح غسله لأنه نوى طهارة عامة مثل التي عليه ، وإن قلنا : يختص حصل له الأعضاء الأربعة فقط إن قلنا : يجزيه غسل الرأس عن مسحه وإلا حصلت الأعضاء الثلاثة ، هذا إذا كان غالطا ، فلو تعمد ونوى رفع الحدث الأصغر لم يصح غسله على المذهب الصحيح المشهور ، وحكى الرافعي فيه وجها . والله أعلم ( فرع ) قولهم : نوى رفع الحدث معناه رفع حكم الحدث

التالي السابق


الخدمات العلمية