صفحة جزء
[ ص: 253 ] قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ويتحتم وجوب ذلك على كل مسلم بالغ عاقل طاهر قادر مقيم ، فأما الكافر فإنه إن كان أصليا لم يخاطب [ به ] في حال كفره ; لأنه لا يصح منه ، فإن أسلم لم يجب عليه القضاء ; لقوله تعالى { قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف } ولأن في إيجاب قضاء ما فات في حال الكفر تنفيرا عن الإسلام ، وإن كان مرتدا لم يخاطب به في حال الردة ; لأنه لا يصح منه ، فإن أسلم وجب عليه قضاء ما تركه في حال الكفر ; لأنه التزم ذلك بالإسلام فلم يسقط عنه بالردة كحقوق الآدميين ) .


( الشرح ) وقوله : يتحتم وجوب ذلك ، أي وجوب فعله في الحال ، ولا بد من هذا التفسير ; لأن وجوبه على المسافر والحائض متحتم أيضا ، لكن يؤخرانه ثم يقضيانه ( وقوله ) في الكافر الأصلي لم يخاطب به ، أي لم نطالبه بفعله وليس مراده أنه ليس بواجب في حال كفره فإن المذهب الصحيح أن الكفار مخاطبون بفروع الشرع في حال كفرهم ، بمعنى أنهم يزاد في عقوبتهم في الآخرة بسبب ذلك ولكن لا يطالبون بفعلها في حال كفرهم ، وقد سبقت المسألة مبسوطة في أول كتاب الصلاة .

( وقوله ) في المرتد : لم يخاطب في حال الردة معناه لا نطالبه بفعل الصوم في حال ردته في مدة الاستتابة ، وليس مراده أنه ليس واجبا عليه ، فإنه واجب عليه بلا خلاف في حال الردة ، ويأثم بتركه في حال الردة بلا خلاف ؟ ولو قال المصنف كما قال غيره : لم نطالبه به في ردته ولا يصح منه ، لكان أصوب . والله تعالى أعلم . قال أصحابنا : لا يطالب الكافر الأصلي بفعل الصوم في حال كفره بلا خلاف ، وإذا أسلم لا يجب عليه قضاؤه بلا خلاف ، ولو صام في كفره لم يصح بلا خلاف سواء أسلم بعد ذلك أم لا ؟ بخلاف ما إذا تصدق في كفره ثم أسلم ، فإن الصحيح أنه يثاب عليه ، وقد سبقت في أول كتاب الصلاة . وأما المرتد فهو مكلف به في حال ردته ، وإذا أسلم لزمه قضاؤه بلا خلاف كما ذكره ، ولا نطالبه بفعله في [ ص: 254 ] حال ردته ، وقال أبو حنيفة : لا يلزمه قضاء مدة الردة إذا أسلم . كما قال في الصلاة ، وسبقت المسألة مبسوطة في أول كتاب الصلاة ، وقاس المصنف ذلك على حقوق الآدميين ; لأن أبا حنيفة يوافق عليها .

التالي السابق


الخدمات العلمية