صفحة جزء
[ ص: 255 ] قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ومن زال عقله بجنون لا يجب عليه ; لقوله صلى الله عليه وسلم : { وعن المجنون حتى يفيق } فإن أفاق لم يجب عليه قضاء ما فاته [ حال ] الجنون ; لأنه صوم فات في حال سقط فيه التكليف لنقص فلم يجب [ قضاؤه ] ، كما لو فات في حال الصغر ، وإن زال عقله بالإغماء لم يجب عليه في الحال ; لأنه لا يصح منه فإن أفاق وجب عليه القضاء ; لقوله تعالى { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } والإغماء مرض ويخالف الجنون فإنه نقص ، ولهذا لا يجوز الجنون على الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ويجوز عليهم الإغماء ) .


( الشرح ) هذا الحديث سبق بيانه قريبا . وقوله : ( سقط فيه التكليف لنقص ) احتراز من الإغماء والحيض .

( أما الأحكام ) ففيه مسألتان ( إحداهما ) المجنون لا يلزمه الصوم في الحال بالإجماع للحديث وللإجماع ، وإذا أفاق لا يلزمه قضاء ما فاته في الجنون ، سواء قل أو كثر ، وسواء أفاق بعد رمضان أو في أثنائه . هذا هو المذهب والمنصوص وبه قطع المصنف والجمهور ، وفيه وجه شاذ أنه يلزمه مطلقا ، حكاه الماوردي وابن الصباغ وآخرون عن ابن سريج . قال الماوردي : هذا مذهب لابن سريج وليس بصحيح . قال : ومذهب الشافعي وأبي حنيفة وسائر الفقهاء أنه لا يلزمه القضاء . وحكاه صاحب البيان عن ابن سريج ثم قال : وقيل : لا يصح عنه ، وفيه وجه ثالث وهو مذهب أبي حنيفة والثوري أنه إن أفاق في أثناء الشهر لزمه قضاء ما فاته ، وإن أفاق بعده فلا قضاء .

قال صاحب البيان : قال ابن سريج : وقد حكى المزني في المنثور هذا عن الشافعي ، قال : ولا يصح عنه ، قال صاحب البيان : وهذا يدل على بطلان الحكاية عن ابن سريج فيمن أفاق بعد الشهر أنه [ ص: 256 ] يلزمه القضاء ، فحصل ثلاثة أوجه ( المذهب ) أنه لا قضاء عليه ( والثاني ) يجب إن أفاق في الشهر لا بعده ، ودليل المذهب في الكتاب ، وحكاه الرافعي ثلاثة أقوال . وقال : وهذا في الجنون المنفرد ، فلو ارتد ثم جن أو سكر ثم جن ففي وجوب القضاء وجهان ، قال : ولعل الأصح الفرق بين اتصاله بالردة واتصاله بالسكر كما سبق في الصلاة . وهذا الذي أشار إلى تصحيحه هو الأصح فيجب في المرتد قضاء الجميع ولا يجب في السكران إلا قضاء أيام السكر ; لأن حكم الردة مستمر بخلاف السكر .

( المسألة الثانية ) المغمى عليه لا يلزمه الصوم في حال الإغماء بلا خلاف . ولنا قول مخرج وهو مذهب المزني أنه يصح صوم المغمى عليه ، وعلى هذا القول لا يلزمه الصوم أيضا بلا خلاف لأنه غير مكلف ، ويجب القضاء على المغمى عليه سواء استغرق جميع رمضان أو بعضه لما ذكره المصنف . وحكى الأصحاب وجها عن ابن سريج أن الإغماء المستغرق لجميع رمضان لا قضاء فيه كالجنون ، وكما لا يجب عليه قضاء الصلاة ، هكذا نقل الجمهور عن ابن سريج . ونقل البغوي عنه أنه إذا استغرق الإغماء رمضان أو يوما منه لا قضاء عليه ، واختار صاحب الحاوي قول ابن سريج هذا في أنه لا قضاء على المغمى عليه والمذهب وجوب القضاء عليه . وفرق الأصحاب بين الجنون والإغماء بما فرق المصنف ، وبين الصوم والصلاة أن الصلاة تتكرر فيشق قضاؤها بخلاف الصوم . وهذا هو الفرق بين قضاء الحائض الصوم دون الصلاة . قال أصحابنا : ومن زال عقله بمرض أو بشرب دواء شربه لحاجة أو بعذر آخر لزمه قضاء الصوم دون الصلاة كالمغمى عليه ولا يأثم بترك الصوم في زمن زوال عقله . وأما من زال عقله بمحرم كخمر أو غيره مما سبق بيانه في أول كتاب الصلاة فيلزمه القضاء ويكون آثما بالترك . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية