صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( ولا يجب صوم رمضان إلا برؤية الهلال فإن غم عليهم وجب عليهم أن يستكملوا شعبان ثم يصوموا ; لما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ، ولا تستقبلوا الشهر استقبالا } ) .


( الشرح ) هذا الحديث رواه هكذا النسائي بإسناد صحيح ، ورواه مسلم من رواية ابن عباس ولفظه { إن الله قد أمده لرؤيته فإن أغمي عليكم فأكملوا العدة } ورواه الترمذي ولفظه { لا تصوموا قبل رمضان ، صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، فإن حالت دونه غيابة فأكملوا ثلاثين يوما } قال الترمذي حديث حسن صحيح ( الغيابة ) السحابة . وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له } رواه البخاري ومسلم وفي رواية لمسلم { فاقدروا ثلاثين } وفي رواية له { فإذا رأيتم الهلال فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا فإن أغمي عليكم فاقدروا له } وفي رواية { فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يوما وفي رواية } { فإن غبي عليكم فأكملوا العدة } وفي رواية { فإن أغمي عليكم الشهر فعدوا ثلاثين } هذه الروايات كلها في صحيح مسلم . وفي رواية البخاري { فإن غبي عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين }

[ ص: 276 ] وعن عائشة رضي الله عنها قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحفظ من شعبان ما لا يتحفظ من غيره ثم يصوم لرؤية رمضان فإذا غم عليه عد ثلاثين يوما ثم صام } رواه أبو داود والدارقطني وقال : إسناده صحيح . وعن حذيفة رضي الله عنه قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تصوموا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ، ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة } رواه أبو داود والنسائي والدارقطني وغيرهم بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم ، وفي الباب أحاديث كثيرة بمعنى ما ذكرته . واختلف العلماء في معنى قوله صلى الله عليه وسلم : { فإن غم عليكم فاقدروا له } فقال أحمد بن حنبل وطائفة قليلة : معناه ضيقوا له وقدروه تحت السحاب ، وأوجب هؤلاء صيام ليلة الغيم . وقال مطرف بن عبد الله وأبو العباس بن سريج وابن قتيبة وآخرون : معناه قدروه بحساب المنازل ، وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي وجمهور السلف والخلف : معناه قدروا له تمام العدد ثلاثين يوما .

قال أهل اللغة : يقال قدرت الشيء - بتخفيف الدال - أقدره وأقدره بضمها وكسرها وقدرته بتشديدها ، وأقدرته بمعنى واحد وهو من التقدير . قال الخطابي وغيره : ومنه قوله تعالى { فقدرنا فنعم القادرون } واحتج الجمهور بالروايات التي ذكرناها وكلها صحيحة صريحة : فأكملوا العدة ثلاثين واقدروا له ثلاثين ، وهي مفسرة لرواية فاقدروا له المطلقة . قال الجمهور : ومن قال بتقدير تحت السحاب فهو منابذ لصريح باقي الروايات ، وقوله مردود ، ومن قال بحساب المنازل فقوله مردود بقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين { إنا أمة أمية لا نحسب ولا نكتب ، الشهر هكذا ، وهكذا } الحديث قالوا : ولأن الناس لو كلفوا بذلك ضاق عليهم ; لأنه لا يعرف الحساب إلا أفراد من الناس في البلدان الكبار ، فالصواب ما قاله الجمهور ، وما سواه فاسد مردود بصرائح الأحاديث السابقة . وقوله صلى الله عليه وسلم : " فإن غم عليكم " معناه حال بينكم وبينه غيم ، يقال : غم وغمي وغمي بتشديد الميم وتخفيفها والغين مضمومة فيهما ، ويقال : غبي بفتح الغين وكسر الباء ، وقد غامت السماء وغيمت وأغامت وتغيمت وأغمت ، وقوله صلى الله عليه وسلم [ ص: 277 ] صوموا لرؤيته " المراد رؤية بعضكم ، وهل هو عدل أم عدلان ؟ فيه الخلاف المشهور ، والله أعلم .

قال أصحابنا وغيرهم : ولا يجب صوم رمضان إلا بدخوله ، ويعلم دخوله برؤية الهلال ، فإن غم وجب استكمال شعبان ثلاثين ثم يصومون ، سواء كانت السماء مصحية أو مغيمة غيما قليلا أو كثيرا . ودليله ما سبق والله أعلم .

( فرع ) ثبت في صحيح البخاري ومسلم عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { شهرا عيد لا ينقصان ، رمضان وذو الحجة } معناه لا ينقص أجرهما والثواب المرتب وإن نقص عددهما ، وقيل : معناه لا ينقصان معا غالبا من سنة واحدة ، وقيل : لا ينقص ثواب ذي الحجة عن ثواب رمضان ; لأن فيه المناسك والعشر ، وحكاه الخطابي وهو ضعيف باطل ، والصواب الأول ولم يذكر صاحب التتمة غيره ، ومعناه أن قوله صلى الله عليه وسلم : {من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه } { ومن صام رمضان وأتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر } ونظائر ذلك ، فكل من هذه الفضائل تحصل ، سواء تم عدد رمضان أم نقص . قال صاحب التتمة : وإنما خص هذين الشهرين لتعلق العبادة بهما وهي الصوم والحج .

التالي السابق


الخدمات العلمية