صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( ولا فرق بين أن يأكل ما يؤكل وما لا يؤكل ، فإن استف ترابا أو ابتلع حصاة أو درهما أو دينارا بطل صومه ، لأن الصوم هو الإمساك عن كل ما يصل إلى الجوف ، وهذا ما أمسك ; ولهذا يقال : فلان يأكل الطين ويأكل الحجر ، ولأنه إذا بطل الصوم بما وصل إلى الجوف مما ليس بأكل كالسعوط والحقنة وجب أن يبطل أيضا بما ليس بمأكول ، وإن قلع ما يبقى بين أسنانه بلسانه وابتلعه بطل صومه ، وإن جمع في فمه ريقا كثيرا وابتلعه ففيه وجهان : ( أحدهما ) يبطل صومه ; لأنه ابتلع ما يمكنه الاحتراز منه مما لا حاجة به إليه ، فأشبه ما إذا قلع ما بين أسنانه وابتلعه ، ( والثاني ) لا يبطل ; لأنه وصل إلى جوفه من معدته فأشبه ما يبتلعه من ريقه على عادته ، فإن أخرج البلغم من صدره ثم ابتلعه [ ص: 338 ] أو جذبه من رأسه [ ثم ابتلعه ] بطل صومه وإن استقاء بطل صومه لما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من استقاء فعليه القضاء ، ومن ذرعه القيء فلا قضاء عليه } ولأن القيء إذا صعد [ ثم ] تردد ، فيرجع بعضه إلى الجوف فيصير كطعام ابتلعه ) .


( الشرح ) حديث أبي هريرة رضي الله عنه رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارقطني والبيهقي وغيرهم ، قال الترمذي : هو حديث حسن ، قال : وقال البخاري : لا أراه محفوظا ، وقال الدارقطني : رواته كلهم ثقات ، ورواه النسائي والبيهقي مرفوعا كما ذكرنا وموقوفا على أبي هريرة ، وإسناد أبي داود وغيره فيه إسناد الصحيح ، ولم يضعفه أبو داود في سننه وقد سبق مرات أن من لم يضعفه أبو داود فهو عنده حجة إما صحيح وإما حسن وقال البيهقي : هذا الحديث تفرد به هشام بن حسان ، قال : وبعض الحفاظ لا يراه محفوظا قال : قال أبو داود وسمعت أحمد بن حنبل يقول : ليس من ذا شيء ، قال البيهقي : وقد روي من أوجه أخر ضعيفة عن أبي هريرة مرفوعا ، قال : وروي في ذلك عن علي رضي الله عنه ثم رواه بإسناده عن الحارث عن علي قال إذا تقايأ وهو صائم فعليه القضاء ، وإذا ذرعه القيء فليس عليه القضاء وهذا ضعيف فإن الحارث ضعيف متروك كذاب .

قال البيهقي : وأما حديث معدان بن طلحة عن أبي الدرداء ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { قاء فأفطر } ) قال معدان { لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجد [ ص: 339 ] دمشق فقلت له : إن أبا الدرداء أخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء فأفطر ، فقال صدق ، أنا صببت عليه وضوءه } فهذا حديث مختلف في إسناده ، فإن صح فهو محمول على القيء عامدا ، وكأنه صلى الله عليه وسلم كان صائما تطوعا ، قال : روي من وجه آخر عن ثوبان قال : وأما حديث فضالة بن عبيد قال : { أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما فقاء فأفطر ، فسئل عن ذلك فقال : إني قئت } قال : وهو أيضا محمول على العمد ، قال : وأما حديث زيد بن أسلم عن رجل من أصحابه عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يفطر من قاء ولا من احتلم ولا من احتجم } فهو محمول إن صح على من ذرعه القيء ، قال : وقد رواه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { ثلاث لا يفطرن الصائم : القيء والاحتلام والحجامة } قال : وعبد الرحمن ضعيف ، والمحفوظ عن زيد بن أسلم هو الأول ، هذا كلام البيهقي .

وذكر الترمذي حديث أبي سعيد الخدري هذا وضعفه وقال : هو غير محفوظ قال : ورواه عبد الله بن زيد بن أسلم وعبد العزيز بن محمد وغير واحد عن زيد بن أسلم مرسلا ، لم يذكروا أبا سعيد ، وإنما ذكره عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف ، وروى الترمذي أيضا حديث أبي الدرداء وثوبان من رواية معدان بن طلحة كما سبق ، وقال : هو حديث حسن صحيح ، وهو مخالف لما قال فيه البيهقي قال الترمذي : وحديث أبي هريرة حسن غريب لا نعرفه من حديث هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من حديث عيسى بن يونس ، قال : وقال البخاري : لا أراه محفوظا ، قال الترمذي وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يصح إسناده ، وقال : قد روي عن أبي الدرداء وثوبان وفضالة { أن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 340 ] قاء فأفطر } قال : " وإنما معنى هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان صائما متطوعا فقاء فضعف فأفطر لذلك " هكذا روي في بعض الحديث مفسرا قال : والعمل عند أهل العلم على حديث أبي هريرة أن الصائم إذا ذرعه القيء لا قضاء عليه ، وإذا استقاء عمدا فليقض ، هذا كلام الترمذي .

وذكر الحاكم أبو عبد الله في المستدرك حديثي أبي هريرة وأبي الدرداء وثوبان وقال : هما صحيحان ، فالحاصل أن حديث أبي هريرة بمجموع طرقه وشواهده المذكورة حديث حسن ، وكذا نص على حسنه غير واحد من الحفاظ ، وكونه تفرد به هشام بن حسان لا يضر لأنه ثقة وزيادة الثقة مقبولة عند الجمهور من أهل الحديث والفقه والأصول وقوله ( ذرعه القيء ) هو بالذال المعجمة ، أي غلبه ، وإنما قاس المصنف على الواصل بالسعوط ; لأن النص ورد فيه ، وهو حديث لقيط بن صبرة السابق ، ( أما الأحكام ) ففيه مسائل : ( إحداها ) قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله : إذا ابتلع الصائم ما لا يؤكل في العادة كدرهم ودينار أو تراب أو حصاة . أو حشيشا أو نارا أو حديدا أو خيطا أو غير ذلك ، أفطر بلا خلاف عندنا ، وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد وداود وجماهير العلماء من السلف والخلف ، وحكى أصحابنا عن أبي طلحة الأنصاري الصحابي رضي الله عنه والحسن بن صالح وبعض أصحاب مالك أنه لا يفطر بذلك ، وحكوا عن أبي طلحة أنه كان يتناول البرد وهو صائم ويبتلعه ويقول : " ليس هو بطعام ولا شراب " واستدل أصحابنا بما ذكره المصنف وبما رواه البيهقي بإسناد حسن أو صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : " إنما الوضوء مما يخرج وليس مما يدخل ، وإنما الفطر مما دخل وليس مما خرج " والله تعالى أعلم .

( الثانية ) قال أصحابنا : إذا بقي في خلل أسنانه طعام فينبغي [ ص: 341 ] إن يخلله في الليل وينقي فمه ، فإن أصبح صائما وفي خلل أسنانه شيء فابتلعه عمدا أفطر بلا خلاف عندنا ، وبه قال مالك وأبو يوسف وأحمد ، وقال أبو حنيفة : لا يفطر ، وقال زفر : يفطر وعليه الكفارة ، ودليلنا في فطره أنه ابتلع ما يمكنه الاحتراز عنه ولا تدعو حاجته إليه فبطل صومه ، كما لو أخرجه إلى يده ثم ابتلعه ، والدليل على زفر أن الكفارة إنما وجبت في الجماع لفحشه فلا يلحق به ما دونه ، والله تعالى أعلم ، أما إذا جرى به الريق فبلعه بغير قصد ، فنقل المزني أنه لا يفطر ، ونقل الربيع أنه يفطر ، فقال جماعة من الأصحاب : في فطره بذلك قولان عملا بالنصين ، والصحيح الذي قاله الأكثرون : إنهما على حالين ، فحيث قال : لا يفطر أراد إذا لم يقدر على تمييزه ومجه ، وحيث قال : يفطر أراد إذا قدر فلم يفعل وابتلعه ، وقطع الشيخ أبو حامد بأنه لا يفطر ، وقال إمام الحرمين والغزالي : إن نقى أسنانه بالخلال على العادة لم يفطر كغبار الطريق وإلا أفطر لتقصيره كالمبالغة في المضمضة ، قال الرافعي : ولقائل أن يتنازعهما في إلحاقه بالمبالغة التي ورد النص بالنهي عنها ، ولأن ماء المبالغة أقرب إلى الجوف ، والله تعالى أعلم .

( فرع ) لو ابتلع شيئا يسيرا جدا كحبة سمسم أو خردل ونحوهما أفطر بلا خلاف عندنا ، وبه قال جمهور العلماء ، وقال المتولي : يفطر عندنا ، ولا يفطر عند أبي حنيفة ، كما قال في الباقي في خلل الأسنان .

( الثالثة ) ابتلاع الريق لا يفطر بالإجماع إذا كان على العادة ، لأنه يعسر الاحتراز منه ، قال أصحابنا : وإنما لا يفطر بثلاثة شروط : ( أحدها ) أن يتمحض الريق فلو اختلط بغيره وتغير لونه أفطر بابتلاعه ، سواء كان المغير طاهرا كمن فتل خيطا مصبوغا تغير به ريقه ، أو نجسا كمن دميت لثته أو انقلعت سنه أو تنجس فمه بغير ذلك فإنه يفطر بلا خلاف ; لأن المعفو ، عنه هو الريق للحاجة وهذا أجنبي غير الريق وهو مقصر به بخلاف غبار الطريق ونحوه ، فلو بصق [ ص: 342 ] حتى ابيض الريق ولم يبق فيه تغير ففي إفطاره بابتلاعه وجهان حكاهما البغوي ، قال : ( أصحهما ) أنه يفطر ، وهذا هو الصحيح عند غيره وقطع به المتولي وآخرو ونقل الرافعي تصحيحه عن الأكثرين ; لأنه نجس لا يجوز ابتلاعه ولا يطهر الفم إلا بالغسل بالماء كسائر النجاسات ، وعلى هذا لو أكل بالليل شيئا نجسا ولم يغسل فمه حتى أصبح فابتلع الريق أفطر ، صرح به المتولي والرافعي وغيرهما .

( الشرط الثاني ) أن يبتلعه من معدنه ، فلو خرج عن فيه ثم رده بلسانه أو غير لسانه وابتلعه أفطر ، قال أصحابنا : حتى لو خرج إلى ظاهر الشفة فرده وابتلعه أفطر ; لأنه مقصر بذلك ، ولأنه خرج عن محل العفو قال المتولي : ولو خرج إلى شفته ثم رده وابتلعه أفطر ، ولو خرج لسانه وعليه ريق حتى برز لسانه إلى خارج فيه ثم رده وابتلعه فطريقان حكاهما البغوي وغيره ( المذهب ) وبه قطع المتولي أنه لا يفطر وجها واحدا ; لأنه لم ينفصل ولا يثبت حكم الخروج للشيء إلا بانفصاله ، كما لو حلف لا يخرج من دار فأخرج رأسه أو رجله لم يحنث ، ولو أخرج المعتكف رأسه أو رجله من المسجد لم يبطل اعتكافه .

( والثاني ) في إبطاله ، وجهان كما لو جمع الريق ثم ابتلعه ، وقد سبق مثل هذين الوجهين في باب ما ينقض الوضوء فيما لو أخرجت دودة رأسها من فرجه ثم رجعت قبل انفصالها هل ينتقض وضوءه ؟ فيه وجهان ( الأصح ) ينتقض .

( الشرط الثالث ) أن يبتلعه على العادة ، فلو جمعه قصدا ثم ابتلعه فهل يفطر ؟ فيه وجهان مشهوران ذكرهماالمصنف بدليلهما ( أصحهما ) لا يفطر ، ولو اجتمع ريق كثير بغير قصد بأن كثر كلامه أو غير ذلك بغير قصد فابتلعه لم يفطر بلا خلاف . ( فرع ) لو بل الخياط خيطا بالريق ثم رده إلى فيه على عادتهم حال الفتل قال أصحابنا : إن لم يكن عليه رطوبة تنفصل ، لم يفطر بابتلاع ريقه بعده بلا خلاف ; لأنه لم ينفصل شيء يدخل جوفه ، وممن نقل اتفاق الأصحاب على هذا المتولي ، وإن كانت رطوبة تنفصل وابتلعها فوجهان حكاهما إمام الحرمين ومتابعوه والمتولي . [ ص: 343 ] أحدهما ) وهو قول الشيخ أبي محمد الجويني لا يفطر ، قال : كما لا يفطر بالباقي من ماء المضمضة ( وأصحهما ) وبه قطع الجمهور يفطر ; لأنه لا ضرورة إليه ، وقد ابتلعه بعد مفارقة معدته وانفصاله ، وخص صاحب التتمة الوجهين بما إذا كان جاهلا تحريم ذلك ، قال : فإن كان عالما بتحريمه أفطر بلا خلاف لتقصيره .

( فرع ) لو استاك بسواك رطب فانفصل من رطوبته أو خشبه المتشعب شيء وابتلعه أفطر بلا خلاف ، صرح به الفوراني وغيره .

( فرع ) اتفق العلماء على أنه إذا ابتلع ريق غيره أفطر ، وفي حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان يقبلها وهو صائم ويمص لسانها } رواه أبو داود بإسناد فيه سعد بن أوس ومصدع ، وهما ممن اختلف في جرحه وتوثيقه ، قال أصحابنا : هذا محمول على أنه بصقه ولم يبتلعه .

. ( المسألة الرابعة ) قال أصحابنا : النخامة إن لم تحصل في حد الظاهر من الفم لم تضر بالاتفاق ، فإن حصلت فيه بانصبابها من الدماغ في الثقبة النافذة منه إلى أقصى الفم فوق الحلقوم ، نظر - إن لم يقدر على صرفها ومجها حتى نزلت إلى الجوف لم تضر ، وإن ردها إلى فضاء الفم أو ارتدت إليه ثم ابتلعها أفطر على المذهب ، وبه قطع الجمهور ، وحكى صاحب العدة والبيان وجها أنه لا يفطر ، لأن جنسها معفو عنه ، هذا شاذ مردود ، وإن قدر على قطعها من مجراها ومجها فتركها حتى جرت بنفسها فوجهان حكاهما إمام الحرمين وغيره ( أحدهما ) يفطر ; لتقصيره ، قال الرافعي : وهذا هو الأوفق لكلام الأصحاب ( والثاني ) لا يفطر ; لأنه لم يفعل شيئا ، وإنما ترك الدفع فلم يفطر ، كما لو وصل الغبار إلى جوفه مع إمكان إطباق فيه ولم يطبقه ، فإنه لا يفطر ، قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح : [ ص: 344 ] ولعل هذا الوجه أقرب ، قال : ولم أجد ذكرا لأصحهما ، والله تعالى أعلم .

( الخامسة ) قال الشافعي والأصحاب : إذا تقايأ عمدا بطل صومه ، وإن زرعه القيء أي غلبه لم يبطل ، وهذان الطرفان لا خلاف فيهما عندنا ، وفي سبب الفطر بالقيء عمدا وجهان مشهوران ، وقد يفهمان من كلام المصنف ( أصحهما ) أن نفس الاستقاء مفطرة كإنزال المني بالاستمناء ( والثاني ) أن المفطر رجوع شيء مما خرج وإن قل ، فلو تقايأ عمدا منكوسا أو تحفظ بحيث تيقن أنه لم يرجع شيء إلى جوفه - فإن قلنا : المفطر نفس الاستقاءة - أفطر وإلا فلا ، قال إمام الحرمين : فلو استقاء عمدا وتحفظ جهده فغلبه القيء ورجع شيء ، فإن قلنا : الاستقاءة مفطرة بنفسها فهنا أولى ، وإن قلنا : لا يفطر إلا برجوع شيء فهو على الخلاف في المبالغة في المضمضة إذا سبق الماء إلى جوفه ، قال أصحابنا : وحيث أفطر بالقيء عمدا لزمه القضاء في الصوم الواجب ولا كفارة عليه إن كان في رمضان ، والله أعلم ، .

( فرع ) إذا اقتلع نخامة من باطنه ولفظها لم يفطر على المذهب ، وبه قطع الحناطي وكثيرون ، وحكى الشيخ أبو محمد الجويني فيه وجهين ( أصحهما ) لا يفطر ; لأنه مما تدعوا إليه الحاجة ( والثاني ) يفطر كالقيء ، قال الغزالي : مخرج الحاء المهملة من الباطن ، والخاء المعجمة من الظاهر ، ووافقه الرافعي فقال : هذا ظاهر ; لأن المهملة تخرج من الحلق والحلق باطن ، والمعجمة تخرج مما قبل الغلصمة ، قال الرافعي : لكن يشبه أن يكون قدر مما بعد مخرج المهملة من الظاهر أيضا . هذا كلام الرافعي ، والصحيح أن المهملة أيضا من الظاهر ، وعجب كونه ضبط بالمهملة التي هي من وسط الحلق ولم يضبط بالهاء أو الهمزة فإنهما من أقصى الحلق ، وأما الخاء المعجمة فمن أدنى الحلق ، وكل هذا مشهور لأهل العربية ، والله أعلم .

فرع في مذاهب العلماء في القيء قد ذكرنا أن مذهبنا أن من تقايأ عمدا أفطر ولا كفارة عليه إن كان في رمضان ، قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن من تقايأ عمدا [ ص: 345 ] أفطر ، قال : ثم قال علي وابن عمر وزيد بن أرقم وعلقمة والزهري ومالك وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي : لا كفارة عليه وإنما عليه القضاء ، قال : وقال عطاء وأبو ثور عليه القضاء والكفارة ، وقال : وبالأول أقول ، قال : وأما من ذرعه القيء ، فقال علي وابن عمر وزيد بن أرقم ومالك والثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي : لا يبطل صومه ، قال : وهذا قول كل من يحفظ عنه العلم وبه أقول ، قال : وعن الحسن البصري روايتان : الفطر وعدمه هذا نقل ابن المنذر وقال العبدري : نقل عن ابن مسعود وابن عباس أنه لا يفطر بالقيء عمدا قال : وعن أصحاب مالك في فطر من ذرعه القيء خلاف قال : وقال أحمد : إن تقايأ فاحشا أفطر فخصه بالفاحش ، دليلنا على الجميع حديث أبي هريرة السابق ، والله تعالى أعلم .

( فرع ) في مسائل اختلف العلماء فيها منها الحقنة . ذكرنا أنها مفطرة عندنا ، ونقله ابن المنذر عن [ ص: 346 ] عطاء والثوري وأبي حنيفة وأحمد وإسحاق وحكاه العبدري وسائر أصحابنا أيضا عن مالك ، ونقله المتولي عن عامة العلماء ، وقال الحسن بن صالح وداود : لا يفطر .

ومنها لو قطر في إحليله شيئا فالصحيح عندنا أنه يفطر كما سبق ، وحكاه ابن المنذر عن أبي يوسف ، وقال أبو حنيفة والحسن بن صالح وداود : لا يفطر .

( ومنها ) السعوط إذا وصل للدماغ أفطر عندنا وحكاه ابن المنذر عن الثوري والأوزاعي وأبي حنيفة ومالك وإسحاق وأبي ثور وقال داود : لا يفطر ، وحكاه ابن المنذر عن بعض العلماء .

( ومنها ) لو صب الماء أو غيره في أذنيه فوصل دماغه أفطر على الأصح عندنا ، وبه قال أبو حنيفة ، وقال مالك والأوزاعي وداود : لا يفطر إلا أن يصل حلقه .

( ومنها ) لو داوى جرحه فوصل الدواء إلى جوفه أو دماغه أفطر عندنا سواء كان الدواء رطبا أو يابسا وحكاه ابن المنذر عن [ ص: 347 ] أبي حنيفة والمشهور عن أبي حنيفة أن يفطر إن كان دواء رطبا ، وإن كان يابسا فلا . وقال مالك وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور وداود : لا يفطر مطلقا .

( ومنها ) لو طعن نفسه بسكين أو غيرها فوصلت جوفه أو دماغه أو طعنه غيره بأمره فوصلتهما أفطر عندنا ، وقال أبو يوسف ومحمد : لا يفطر ، وقال أبو حنيفة : إن نفذت الطعنة إلى الجانب الآخر أفطر وإلا فلا .

( ومنها ) الطعام الباقي بين أسنانه إذا ابتلعه ، قد سبق تفصيل مذهبنا فيه ، قال ابن المنذر : أجمع العلماء على أنه لا شيء على الصائم فيما يبلعه مما يجري مع الريق مما بين أسنانه مما لا يقدر على رده قال : فإن قدر على رده فابتلعه عمدا ، قال أبو حنيفة : لا يفطر ، وقال سائر العلماء : يفطر ، وبه أقول ، ودلائل هذه المسائل سبقت في مواضعها ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية