صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وتحرم المباشرة في الفرج ; لقوله سبحانه وتعالى { فالآن باشروهن } إلى قوله عز وجل { ثم أتموا الصيام إلى الليل } فإن باشرها في الفرج بطل صومه ، لأنه أحد ما ينافي الصوم ، فهو كالأكل ، وإن باشر فيما دون الفرج فأنزل أو قبل فأنزل بطل صومه ، وإن لم ينزل لم يبطل ; لما روى جابر رضي الله عنه قال : { قبلت وأنا صائم ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : قبلت وأنا صائم ، فقال : أرأيت لو تمضمضت وأنت صائم } فشبه القبلة بالمضمضة ، وقد ثبت أنه إذا تمضمض فوصل الماء إلى جوفه أفطر ، وإن لم يصل لم يفطر ، فدل على أن القبلة مثلها ، فإن جامع قبل طلوع الفجر فأخرج مع الطلوع وأنزل لم يبطل صومه ، لأن الإنزال تولد من مباشرة هو مضطر إليها ، فلم يبطل الصوم . وإن نظر وتلذذ فأنزل لم يبطل صومه ; لأنه إنزال من غير مباشرة فلم يبطل الصوم كما لو نام فاحتلم . وإن استمنى فأنزل بطل صومه ; لأنه إنزال عن [ ص: 348 ] مباشرة ، فهو كالإنزال عن القبلة ; ولأن الاستمناء كالمباشرة فيما دون الفرج من الأجنبية في الإثم والتعزير فكذلك في الإفطار ) .


( الشرح ) هذا الحديث المذكور مما غيره المصنف ، فجعله عن جابر وأنه هو المقبل وليس هو كذلك ، وإنما المقبل عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو السائل ، وهذا لفظ الحديث في سنن أبي داود ومسند أحمد بن حنبل وسنن البيهقي وجميع كتب الحديث عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : { قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : هششت فقبلت وأنا صائم ، فقلت : يا رسول الله صنعت اليوم أمرا عظيما ، قبلت وأنا صائم ، قال : أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم ؟ قلت : لا بأس قال : فمه } هذا لفظ الحديث في سنن أبي داود وغيره وإسناده صحيح على شرط مسلم ، ورواه الحاكم وقال : هو صحيح على شرط البخاري ومسلم ، ولا يقبل قوله : إنه على شرط البخاري ، إنما هو على شرط مسلم ، قال الخطابي : في هذا الحديث إثبات القياس والجمع بين الشيئين في الحكم الواحد لاجتماعهما في الشبه ; لأن المضمضة بالماء ذريعة إلى نزوله إلى البطن فيفسد الصوم ، كما أن القبلة ذريعة إلى الجماع المفسد للصوم فإذا كان أحدهما غير مفطر وهو المضمضة فكذا الآخر .

( وقوله ) هششت ، معناه نشطت وارتحت ، وقول المصنف وقد ثبت أنه لو تمضمض فوصل الماء إلى جوفه أفطر ، هذا تفريع منه على أحد القولين في المضمضة ، ( أما الأحكام ) ففي الفصل مسائل : ( إحداها ) أجمعت الأمة على تحريم الجماع في القبل والدبر على الصائم وعلى أن الجماع يبطل صومه ; للآيات الكريمة التي ذكرها المصنف والأحاديث الصحيحة ، ولأنه مناف للصوم فأبطله كالأكل ، وسواء أنزل أم لا ، فيبطل صومه في الحالين بالإجماع ; لعموم الآية والأحاديث ، ولحصول المنافي ، ولو لاط برجل أو صبي أو أولج في قبل بهيمة أو دبرها بطل صومه بلا خلاف عندنا ، سواء [ ص: 349 ] أنزل أم لا قال أبو حنيفة في اللواط كمذهبنا ، وقال في البهيمة : إن أنزل بطل صومه وإلا فلا ، وسواء في الوطء وطء زوجته وأمته وأجنبية بزنا أو شبهة ، فكله يفطر به إذا كان عالما بالصوم .

( الثانية ) إذا قبل أو باشر فيما دون الفرج بذكره أو لمس بشرة امرأة بيده أو غيرها ، فإن أنزل المني بطل صومه وإلا فلا ، لما ذكره المصنف ، ونقل صاحب الحاوي وغيره الإجماع على بطلان صوم من قبل أو باشر دون الفرج فأنزل ، ويستدل أيضا لعدم الفطر إذا لم ينزل بالأحاديث الصحيحة المشهورة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم } وسيأتي بيانها إن شاء الله تعالى ، وهذا الذي ذكرناه هو المذهب والمنصوص ، وبه قطع الجمهور . وحكى إمام الحرمين عن والده أنه حكى وجهين فيمن ضم امرأة إلى نفسه وبينهما حائل فأنزل ، قال : وهو عندي كسبق ماء المضمضة ، قال : فإن ضاجعها متجردا فهو كالمبالغة ، في المضمضة ، قال : وقد وجدت للشيخ أبي علي السنجي في الشرح رمزا إلى هذا ( قلت ) قد جزم المتولي بأنه لو قبلها فوق خمار فأنزل لا يفطر ; لعدم المباشرة ، قال : ولو لمس شعرها فأنزل ففي بطلان صومه وجهان بناء على انتقاض الوضوء بمسه .

( الثالثة ) إذا جامع قبل الفجر ثم نزع مع طلوعه أو عقب طلوعه وأنزل لم يبطل صومه ; لأنه تولد من مباشرة مباحة فلم يجب فيه شيء ، كما لو قطع يد رجل قصاصا فمات منه فهذا هو التعليل الصحيح ، وأما قول المصنف لأنه تولد من مباشرة هو مضطر إليها فليس بمقبول .

( الرابعة ) إذا نظر إلى امرأة ونحوه وتلذذ فأنزل بذلك لم يفطر ، سواء كرر النظر أم لا ، وهذا لا خلاف فيه عندنا إلا وجها شاذا حكاه السرخسي في الأمالي أنه إذا كرر النظر فأنزل بطل صومه ، والمذهب الأول ، وبه قال أبو الشعثاء جابر بن زيد التابعي وسفيان الثوري وأبو حنيفة وأبو يوسف وأبو ثور ، وحكى ابن المنذر عن الحسن البصري هو كالجماع ، فيجب القضاء والكفارة ونحوه عن الحسن بن صالح ، وعن مالك روايتان ، ( إحداهما ) كالحسن [ ص: 350 ] والثانية ) إن تابع النظر فعليه القضاء والكفارة ، وإلا فالقضاء قال ابن المنذر : لا شيء عليه ، ولو احتاط فقضى يوما فحسن ، قال صاحب الحاوي : أما إذا فكر بقلبه من غير نظر فتلذذ فأنزل فلا قضاء عليه ولا كفارة بالإجماع ، قال : وإذا كرر النظر فأنزل أثم ، وإن لم يجب القضاء .

. ( الخامسة ) إذا استمنى بيده وهو استخراج المني أفطر بلا خلاف عندنا ، لما ذكره المصنف ، ولو حك ذكره لعارض فأنزل فوجهان حكاهما الصيمري وصاحب البيان ، قالوا : ويشبه أن يكونا مبنيين على القولين فيمن سبق ماء المضمضة إلى جوفه .

( قلت ) والأصح أنه لا يفطر في مسألة حك الذكر لعارض ; لأنه متولد من مباشرة مباحة ، والله أعلم .

( أما ) إذا احتلم فلا يفطر بالإجماع ; لأنه مغلوب كمن طارت ذبابة فوقعت في جوفه بغير اختياره ، فهذا هو المعتمد في دليل المسألة ( وأما ) الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم " { لا يفطر من قاء ولا من احتلم ولا من احتجم } فحديث ضعيف لا يحتج به ، وسبق بيانه في مسألة القيء ، والله أعلم .

( فرع ) لو قبل امرأة وتلذذ فأمذى ولم يمن ، لم يفطر عندنا بلا خلاف ، وحكاه ابن المنذر عن الحسن البصري والشعبي والأوزاعي وأبي حنيفة وأبي ثور قال : وبه أقول ، وقال مالك وأحمد : يفطر ، دليلنا أنه خارج لا يوجب الغسل فأشبه البول .

( فرع ) قال صاحب البيان : إذا أمنى الخنثى المشكل عن مباشرة وهو صائم أو رأى الدم يوما كاملا من فرج النساء لم يبطل صومه ; لاحتمال أنه عضو زائد ، وإن أمنى من فرج الرجال عن مباشرة ورأى الدم في ذلك اليوم من فرج النساء ، واستمر الدم أقل مدة الحيض ، بطل صومه ; لأنه إن كان رجلا فقد أنزل عن مباشرة ، وإلا فقد حاضت ، فإن استمر به الدم بعد ذلك أياما ولم ينزل عن ، [ ص: 351 ] مباشرة من آلة الرجل لم يبطل صومه في انفراد الدم أو الإنزال ، ولا كفارة حيث قلنا بفطره للاحتمال ، هذا كلام صاحب البيان .

التالي السابق


الخدمات العلمية