صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن طلع الفجر وهو مجامع ، فاستدام مع العلم بالفجر ، وجبت عليه الكفارة ; لأنه منع صحة صوم يوم من رمضان بجماع [ ص: 372 ] من غير عذر ، فوجبت عليه الكفارة ، كما لو وطئ في أثناء النهار ، وإن جامع وعنده أن الفجر لم يطلع وكان قد طلع ، أو أن الشمس قد غربت ولم تكن غربت ، لم تجب عليه الكفارة ; لأنه جامع وهو يعتقد أنه يحل له ذلك ، وكفارة الصوم عقوبة تجب مع المسلم فلا تجب مع اعتقاد الإباحة كالحد ، وإن أكل ناسيا فظن أنه أفطر بذلك ثم جامع عامدا فالمنصوص في الصيام أنه لا تجب الكفارة ; لأنه وطئ وهو يعتقد أنه غير صائم فأشبه إذا وطئ وعنده أنه ليل ثم بان أنه نهار ، وقال شيخنا القاضي أبو الطيب الطبري رحمه الله : يحمل عندي أنه تجب عليه الكفارة ; لأن الذي ظنه لا يبيح الوطء بخلاف ، ما لو جامع وظن أن الشمس غربت ; لأن الذي ظن شاك يبيح له الوطء فإن أفطر بالجماع وهو مريض أو مسافر لم تجب الكفارة ; لأنه يحل له الفطر فلا تجب الكفارة مع إباحة الفطر ، وإن أصبح المقيم صائما ثم سافر وجامع وجبت عليه الكفارة ; لأن السفر لا يبيح له الفطر في هذا اليوم ، فكان وجوده كعدمه ، وإن أصبح الصحيح صائما ثم مرض وجامع لم تجب الكفارة ; لأن المريض يباح له الفطر في هذا اليوم وإن جامع ثم سافر لم تسقط عنه الكفارة ، لأن السفر لا يبيح له الفطر في يومه فلا يسقط عنه ما وجب فيه من الكفارة ، وإن جامع ثم مرض أو جن ففيه قولان ( أحدهما ) لا تسقط عنه الكفارة ; لأنه معنى طرأ بعد وجوب الكفارة فلا تسقط الكفارة كالسفر ( والثاني ) أنه تسقط ; لأن اليوم يرتبط بعضه ببعض ، فإذا خرج جزؤه عن أن يكون صائما فيه أو عن الصوم فيه مستحقا خرج أوله عن أن يكون صوما أو يكون الصوم فيه مستحقا ، فيكون جماعه في يوم فطر ، أو في يوم صوم غير مستحق فلا تجب به الكفارة ) .


( الشرح ) في الفصل مسائل ( إحداها ) إذا طلع الفجر وهو مجامع فاستدام مع العلم بالفجر بطل صومه بلا خلاف ، كما سبق في موضعه ، وفي وجوب الكفارة طريقان ( الصحيح ) المنصوص وجوبها ، وبه قطع المصنف والجمهور ، وحكى جماعات من الخراسانيين في وجوبها [ ص: 373 ] قولين ( المنصوص ) وجوبها لما ذكره المصنف ( والثاني ) لا تجب ، وهو مخرج مما سنذكره إن شاء الله تعالى ; لأنه لم يفسد بهذا الجماع صوما ; لأنه لم يدخل فيه . قال البندنيجي : وإنما وجبت الكفارة هنا على المذهب ; لأنه منع انعقاد الصوم لا لإفساده ، فإنه لم يدخل فيه ، قال : ومن قال انعقد صومه ثم فسد فهذا غير معروف مذهبا للشافعي رحمه الله . قال القاضي حسين وإمام الحرمين والبغوي وغيرهم من الخراسانيين : نص الشافعي هنا على وجوب الكفارة بالاستدامة ، ونص فيمن قال لزوجته : إن وطئتك فأنت طالق ثلاثا ، فوطئها واستدام ، أنه لا يلزمه مهر بالاستدامة ، قالوا : واختلف أصحابنا فيهما فمنهم من نقل وخرج فجعل في المسألتين قولين : ( أحدهما ) تجب الكفارة والمهر كما لو نزع ثم أولج ( والثاني ) لا يجب واحد منهما ; لأن أول الفعل كان مباحا . وقال الجمهور وهو الصحيح : المسألتان على ما نص عليه ، فتجب الكفارة دون المهر ، والفرق أن ابتداء الفعل هنا لم يتعلق به كفارة ، فوجبت الكفارة باستدامته لئلا يخلو جماع في نهار رمضان عمدا عن كفارة . وأما المهر فلا يجب ; لأن أول الوطء تعلق به المهر ; لأن مهر النكاح يقابل جميع الوطآت فلم يجب باستدامته مهر آخر ، لئلا يؤدي إلى إيجاب مهرين لشخص واحد بوطأة واحدة ، وهذا لا يجوز ، وقولنا : لشخص واحد ، احتراز ممن وطئ زوجة أبيه أو ابنه بشبهة ، فإنه ينفسخ نكاح زوجها ويلزم الواطئ مهران بالوطأة الواحدة : مهر للزوجة ; لأنه استوفى منفعة بضعها بشبهة ، ومهر للزوج ; لأنه أفسد عليه نكاحه .

( فرع ) لو أحرم بالحج مجامعا ففيه ثلاثة أوجه سأوضحها في كتاب الحج إن شاء الله تعالى ( أصحها ) لا ينعقد حجه . كما لا ينعقد صومه ، ولا صلاة من أحرم بها مع خروج الحدث .

( والثاني ) ينعقد حجه صحيحا ، فإن نزع في الحال صح حجه ، ولا شيء عليه وإلا فسد ، وعليه المضي في فاسده والقضاء والبدنة [ ص: 374 ] والثالث ) ينعقد فاسدا وعليه القضاء والمضي فيه سواء مكث أو نزع في الحال ولا تجب الفدية إن نزع في الحال فإن مكث وجبت شاة في الأصح . وفي قول : بدنة كما في نظائره . والفرق بين الحج والصوم أن الصوم يخرج منه بالإفساد ، فلا يصح دخوله فيه مع وجود المفسد بخلاف الحج ، وقد سبق في أوائل هذا الباب بيان معنى قولهم : يخرج من الصوم بالإفساد ، ولا يخرج من الحج بالإفساد .

( المسألة الثانية ) لو جامع ظانا أن الفجر لم يطلع أو أن الشمس غربت فبان غلطه فلا كفارة هكذا قطع به المصنف والأصحاب إلا إمام الحرمين فإنه قال : من أوجب الكفارة على الناسي بالجماع يقول بمثله هنا لتقصيره في البحث ، قال الرافعي : وقولهم فيمن ظن غروب الشمس : لا كفارة ، تفريع على جواز الفطر بظن ذلك فإن منعناه بالظن فينبغي وجوب الكفارة ; لأنه جماع محرم صادف الصوم .

( الثالثة ) إذا أكل الصائم ، ناسيا فظن أنه أفطر بذلك لجهله بالحكم ثم جامع فهل يبطل صومه ؟ فيه وجهان مشهوران ( أحدهما ) وبه قال البندنيجي : لا كما لو سلم من الصلاة ناسيا ، ثم تكلم عامدا فإنه لا تبطل صلاته بالاتفاق ، لحديث ذي اليدين ( وأصحهما ) وبه قطع الجمهور : تبطل كما لو جامع أو أكل وهو يظن أن الفجر لم يطلع فبان طالعا . فإن قلنا : لا يفطر ، فلا كفارة ، وإن قلنا : يفطر ، فلا كفارة أيضا هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور ، ونقله المصنف والأصحاب عن نص الشافعي في كتاب الصيام من الأم ، وفيه الاحتمال الذي حكاه المصنف عن القاضي أبي الطيب وذكر دليلهما ، أما إذا أكل ناسيا وعلم أنه لا يفطر به ثم جامع في يومه فيفطر ، وتجب الكفارة بلا خلاف عندنا . وحكى الماوردي عن أبي حنيفة أنه قال : عليه القضاء دون الكفارة ، ولو طلع الفجر وهو مجامع فظن بطلان صومه فمكث فعليه القضاء دون الكفارة ; لأنه لم يتعمد هتك حرمة الصوم بالجماع ، ذكره الماوردي وغيره . قال صاحب العدة : وكذا لو قبل ولم ينزل أو [ ص: 375 ] اغتاب إنسانا فاعتقد أنه قد بطل صومه فجامع ، لزمه القضاء دون الكفارة . وقال أبو حنيفة : إن قبل ثم جامع لزمته الكفارة إلا أن يفتيه فقيه أو يتأول خبرا في ذلك . وقال في الذي اغتاب ثم جامع : يلزمه الكفارة وإن أفتى أو تأول خبرا . دليلنا أنه لم يتعمد إفساد صوم .

( المسألة الرابعة ) إذا أفطر بالجماع وهو مريض أو مسافر فإن قصد بالجماع الترخص فلا كفارة ، وإلا فوجهان حكاهما الخراسانيون ( أصحهما ) وبه قطع المصنف وغيره من العراقيين : لا كفارة أيضا ; لما ذكره المصنف .

( الخامسة ) إذا أصبح المقيم صائما ثم سافر وجامع في يومه لزمته الكفارة ; لما ذكره المصنف . هذا هو المذهب وبه قطع المصنف والجمهور ، وفيه وجه غريب ضعيف قاله المزني وغيره من أصحابنا : أنه يجوز له الفطر في هذا اليوم ، فإذا جامع فلا كفارة عليه ، وقد سبقت المسألة واضحة في فصل صوم المسافر .

( السادسة ) إذا أصبح الصحيح صائما ثم مرض فجامع فلا كفارة إن قصد الترخص ، وكذا إن لم يقصده على المذهب ، وبه قطع المصنف وآخرون ، وقد سبقت المسألة قريبا .

( السابعة ) لو أفسد المقيم صومه بجماع ثم سافر في يومه ، لم تسقط الكفارة على المذهب ، وبه قطع المصنف والجمهور ، وقيل : فيه قولان كطرآن المرض ، حكاه الدارمي والرافعي ، ولو أفسد الصحيح صومه بالجماع ثم مرض في يومه فطريقان ( أحدهما ) لا تسقط الكفارة وبه قطع البغوي ( وأصحهما ) وبه قطع المصنف والأكثرون فيه قولان ( أصحهما ) لا تسقط ( والثاني ) تسقط ، ودليلهما في الكتاب ، ولو أفسد بجماع ثم طرأ جنون أو حيض أو موت في يومه فقولان ذكر المصنف دليلهما ( أصحهما ) السقوط ; لأن يومه غير صالح للصوم بخلاف المريض ، وصورة الحيض مفرعة على أن المرأة المفطرة بالجماع يلزمها الكفارة ، ولو ارتد بعد الجماع في يومه لم تسقط الكفارة بلا خلاف ، ذكره الدارمي وهو واضح . هذا تفصيل مذهبنا . وممن قال من العلماء : لا تسقط الكفارة بطرآن الجنون والمرض والحيض مالك وابن أبي ليلى وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود ، وقال أبو حنيفة [ ص: 376 ] والثوري : تسقط وأسقطها زفر بالحيض والجنون دون المرض ، واتفقوا على أنها لا تسقط بالسفر إلا ابن الماجشون المالكي فأسقطها به .

التالي السابق


الخدمات العلمية