صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( ووطء المرأة في الدبر ، واللواط كالوطء في الفرج في جميع ما ذكرناه من إفساد الصوم ووجوب القضاء والكفارة ; لأن الجميع وطء ، ولأن الجميع في إيجاب الحد واحد فكذلك في إفساد الصوم وإيجاب الكفارة ، وأما إتيان البهيمة ففيه وجهان من أصحابنا من قال : ينبني ذلك على وجوب الحد ، فإن قلنا : يجب فيه الحد ، أفسد الصوم وأوجب الكفارة كالجماع في الفرج ، وإن قلنا : يجب فيه التعزير لم يفسد الصوم ولم تجب به الكفارة ; لأنه كالوطء فيما دون الفرج في التعزير فكان مثله في إفساد الصوم وإيجاب الكفارة ; ومن أصحابنا من قال : يفسد الصوم وتجب الكفارة قولا واحدا ; لأنه وطء يوجب الغسل فجاز أن يتعلق به إفساد الصوم وإيجاب الكفارة كوطء المرأة ) .


( الشرح ) قوله ( ففيه وجهان ) كان ينبغي أن يقول : طريقان فعبر ، بالوجهين عن الطريقين مجازا لاشتراكهما في أن كلا منهما حكاية للمذهب ، وقد سبق بيان مثل هذا المجاز في مقدمة هذا الشرح ، واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أن وطء المرأة في الدبر واللواط بصبي أو رجل كوطء المرأة في القبل في جميع ما سبق من إفساد الصوم ، ووجوب إمساك بقية النهار ووجوب القضاء والكفارة ، لما ذكره المصنف ، وذكر الرافعي وجها شاذا باطلا في الإتيان في الدبر أنه لا كفارة فيه ، وهذا غلط . وأما إتيان البهيمة في دبرها أو قبلها ففيه طريقان حكاهما المصنف والأصحاب ( أصحهما ) القطع بوجوب الكفارة فيه . وهذا هو المنصوص [ ص: 377 ] في المختصر وغيره وبه قطع البغوي وآخرون ( والثاني ) فيه خلاف مبني على إيجاب الحد به إن أوجبناه وجبت الكفارة ، وإلا فلا ، حكاه الدارمي عن ابن خيران وأبي إسحاق المروزي . قال الماوردي : هذا الطريق غلط ; لأن إيجاب الكفارة ليس مرتبطا بالحد ، ولهذا يجب في وطء الزوجة الكفارة دون الحد وسواء في هذا كله أنزل أم لا ، إلا أنه إذا قلنا في إتيان البهيمة : لا كفارة ، لا يفسد الصوم أيضا كما قاله المصنف ، هذا إن لم ينزل ، فإن أنزل أفسد ، كما لو قبل فأنزل .

( فرع ) الوطء بزنا أو شبهة أو في نكاح فاسد ووطء أمته وأخته وبنته والكافرة وسائر النساء سواء في إفساد الصوم ووجوب القضاء والكفارة وإمساك بقية النهار ، وهذا لا خلاف فيه .

( فرع ) إذا أفسد صومه بغير الجماع كالأكل والشرب والاستمناء والمباشرات المفضيات إلى الإنزال فلا كفارة ; لأن النص ورد في الجماع ، وهذه الأشياء ليست في معناه ، هذا هو المذهب والمنصوص وبه قطع الجماهير ، وحكى الرافعي وجها عن أبي خلف الطبري من أصحابنا من تلامذة القفال المروزي أنه تجب الكفارة بكل ما يأثم بالإفطار به . وفي وجه حكاه صاحب الحاوي عن ابن أبي هريرة أنه يجب بالأكل والشرب كفارة فوق كفارة المرضع ودون كفارة المجامع ، وهذان الوجهان غلط ، وحكى الحناطي - بالحاء المهملة والنون - عن محمد بن الحكم أنه روى عن الشافعي وجوب الكفارة على من جامع فيما دون الفرج فأنزل ، وهذا شاذ ضعيف .

( فرع ) قد ذكرنا أنه إذا استمنى متعمدا بطل صومه ولا كفارة . قال الماوردي : فلو حك ذكره لعارض ولم يقصد الاستمناء فأنزل ، فلا كفارة ، وفي بطلان الصوم وجهان ( قلت ) أصحهما لا يبطل كالمضمضة بلا مبالغة .

فرع في مذاهب العلماء فيمن وطئ امرأة أو رجلا في الدبر ذكرنا أن مذهبنا وجوب القضاء والكفارة ، وبه قال مالك وأبو يوسف ومحمد وأحمد ، وقال أبو حنيفة ، عليه القضاء ، وفي وجوب [ ص: 378 ] الكفارة روايتان عنه أشهرهما عنه لا كفارة ; لأنه لا يحصل به الإحصان والتحليل فأشبه الوطء فيما دون الفرج واحتج أصحابنا بأنه جماع أثم به لسبب الصوم ، فوجبت فيه الكفارة كالقتل ، قال أصحاب أبي حنيفة : ولا كفارة في إتيان البهيمة .

فرع في مذاهبهم في المباشرة فيما دون الفرج وقد ذكرنا أن مذهبنا أنه لا كفارة فيها ، سواء فسد صومه بالإنزال أم لا ، وبه قال أبو حنيفة . وقال داود : كل إنزال تجب به الكفارة حتى الاستمناء إذا كرر النظر فأنزل فلا قضاء ولا كفارة . وقال مالك وأبو ثور : عليه القضاء والكفارة . وحكي هذا عن عطاء والحسن وابن المبارك وإسحاق . وقال أحمد : يجب بالوطء فيما دون الفرج الكفارة وفي القبلة واللمس روايتان . واحتجوا بأنه أفطر بمعصية فأشبه الجماع في الفرج . واحتج أصحابنا بأنه لم يجامع في الفرج فأشبه الردة فإنها تبطل الصوم ولا كفارة ، وما قاله الآخرون ينتقض بالردة .

( فرع ) قال الغزالي وغيره من أصحابنا : الضابط في وجوب الكفارة بالجماع أنه تجب على من أفسد صوم يوم من رمضان بجماع تام أثم به بسبب الصوم ، وفي هذا الضابط قيود : ( أحدها ) الإفساد ، فمن جامع ناسيا لا يفطر على المذهب كما سبق . وقيل في فطره قولان سبق بيانهما . فإن قلنا : لا يفطر ، فلا كفارة لعدم الإفساد ، وإلا فوجهان حكاهما إمام الحرمين والغزالي وآخرون ( أصحهما ) لا كفارة أيضا لعدم الإثم ( الثاني ) قولنا ( من رمضان ) فلا كفارة بإفساد صوم التطوع والنذر والقضاء والكفارة بالجماع ; لأن الكفارة إنما هي لحرمة رمضان ( الثالث ) قولنا ( بجماع ) احتراز من الأكل والشرب والاستمناء والمباشرة دون الفرج ، فلا كفارة فيها كلها على المذهب ، كما بيناه قريبا ( والرابع ) قولنا ( تام ) احتراز من المرأة إذا جومعت فإنها يحصل فطرها بتغييب بعض الحشفة فلا يحصل الجماع التام إلا وقد أفطرت لدخول داخل فيها فالفطر يحصل بمجرد الدخول ، وأحكام الجماع لا تثبت إلا بتغييب كل الحشفة ، فيصدق عليها أنها أفطرت بالجماع قبل تمامه . [ ص: 379 ] وقولنا ( أثم به ) احتراز ممن جامع بعد الفجر ظانا بقاء الليل ، فإن صومه يفسد ولا كفارة كما سبق . وقولنا ( بسبب الصوم ) احتراز من المسافر إذا شرع في الصوم ثم أفطر بالزنا مترخصا فلا كفارة عليه ; لأنه وإن أفسد صوم يوم من رمضان بجماع تام أثم به ، إلا أنه لم يأثم به بسبب الصوم ; لأن الإفطار جائز له وإنما أثم بالزنا ، ولو زنى المقيم ناسيا للصوم وقلنا : الصوم يفسد بجماع الناسي فلا كفارة أيضا في أصح الوجهين ; لأنه لم يأثم بسبب الصوم ; لأنه ناس له . قال الرافعي : وجماع المرأة إذا قلنا : لا شيء عليها ولا يلاقيها الوجوب ، مستثنى عن الضابط .

( فرع ) لو صام الصبي رمضان فأفسده بالجماع وقلنا : إن وطأه في الحج يفسده ويوجب البدن ، ففي وجوب كفارة الوطء في الصوم وجهان حكاهما المتولي في كتاب الحج ، وسأوضحهما هناك إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية