صفحة جزء
[ ص: 426 ] باب صوم التطوع والأيام التي نهي عن الصوم فيها قال المصنف رحمه الله تعالى ( يستحب لمن صام رمضان أن يتبعه بست من شوال ، لما روى أبو أيوب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر } ) .


( الشرح ) حديث أبي أيوب رواه مسلم ولفظه { من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر } ورواه أبو داود بإسناد صحيح بلفظه في المهذب واسم أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري النجاري - بالنون والجيم - شهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله .

وقوله صلى الله عليه وسلم : { بست من شوال أو ستا من شوال } من غير " هاء التأنيث في آخره ، هذه لغة العرب الفصيحة المعروفة يقولون : صمنا خمسا وصمنا ستا وصمنا عشرا وثلاثا ، وشبه ذلك بحذف الهاء ، وإن كان المراد مذكرا وهو الأيام ، فما لم يصرحوا بذكر الأيام يحذفون الهاء ، فإن ذكروا المذكر أثبتوا الهاء فقالوا : صمنا ستة أيام وعشرة أيام وشبه ذلك ، وهذا مما لا خلاف بينهم في جوازه ، وممن نقله عن العرب من أهل اللغة المشهورين وفضلائهم المتقنين ومعتمديهم المحققين الفراء ، ثم ابن السكيت وغيرهما من المتقدمين والمتأخرين . قال أبو إسحاق الزجاج في تفسير قول الله تعالى { أربعة أشهر وعشرا } إجماع أهل اللغة سرنا خمسا بين يوم وليلة .

وأنشد الجعدي :

فطافت ثلاثا بين يوم وليلة

[ ص: 427 ] ومما جاء مثله في القرآن العظيم قوله تعالى { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } مذهبنا ومذهب الجمهور أن المراد عشرة أيام بلياليها ولا تنقضي العدة حتى تغرب الشمس من اليوم العاشر وتدخل الليلة الحادية عشرة ، ومثله قوله سبحانه وتعالى { يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا } أي عشرة أيام بدليل قوله تعالى { إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما } قال أهل اللغة في تعليل هذا الباب : وإنما كان كذلك لتغليب الليالي على الأيام وذلك لأن أول الشهر الليل ، فلما كانت الليالي هي الأوائل غلبت ; لأن الأوائل أقوى ، ومن هذا قول العرب : خرجنا ليالي الفتنة ، وخفنا ليالي إمارة الحجاج ، والمراد الأيام بلياليها ، والله أعلم .

( وأما حكم المسألة ) فقال أصحابنا : يستحب صوم ستة أيام من شوال ; لهذا الحديث قالوا : ويستحب أن يصومها متتابعة في أول شوال فإن فرقها أو أخرها عن شوال جاز . وكان فاعلا لأصل هذه السنة ; لعموم الحديث وإطلاقه . وهذا لا خلاف فيه عندنا وبه قال أحمد وداود . قال مالك وأبو حنيفة : يكره صومها . قال مالك في الموطإ : " وصوم ستة أيام من شوال لم أر أحدا من أهل العلم والفقه يصومها ، ولم يبلغه ذلك عن أحد من السلف وأن أهل العلم كانوا يكرهون ذلك ويخافون بدعته ، وأن يلحق برمضان أهل الجفاء والجهالة ما ليس منه لو رأوا في ذلك رخصة عند أهل العلم ، ورأوهم يعملون ذلك " هذا كلام مالك في الموطإ . ودليلنا الحديث الصحيح السابق ولا معارض له .

وأما قول مالك : " لم أر أحدا يصومها " فليس بحجة في الكراهة ; لأن السنة ثبتت في ذلك بلا معارض ، فكونه لم ير لا يضر . وقولهم : لأنه قد يخفى ذلك فيعتقد وجوبه ضعيف ; لأنه لا يخفى ذلك على [ ص: 428 ] أحد ، ويلزم على قوله : ( إنه يكره ) صوم يوم عرفة وعاشوراء وسائر الصوم المندوب إليه . وهذا لا يقوله أحد .

التالي السابق


الخدمات العلمية