صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( ويستحب صوم يوم الاثنين والخميس . لما روى أسامة بن زيد أن النبي صلى الله عليه وسلم { كان يصوم الاثنين والخميس فسئل عن ذلك ، فقال : إن الأعمال تعرض يوم الاثنين والخميس } ) .


( الشرح ) حديث أسامة رواه أحمد بن حنبل والدارمي وأبو داود والنسائي من رواية أسامة ، لفظ الدارمي كلفظه في المهذب ( وأما ) لفظ أبي داود وغيره فقال عن أسامة قال : قلت : { يا رسول الله ، إنك تصوم حتى لا تكاد تفطر وتفطر حتى لا تكاد تصوم إلا في يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما ، قال : أي يومين ؟ قلت : يوم الاثنين والخميس ، قال : ذلك يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين ، وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم } وقد ثبتت أحاديث كثيرة في صوم الاثنين والخميس .

( منها ) حديث أبي قتادة رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم الاثنين قال : ذلك يوم ولدت فيه ويوم بعثت أو أنزل علي فيه } رواه مسلم . وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم { قال : تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين يوم الاثنين والخميس ، فيغفر لكل عبد مؤمن إلا عبدا بينه وبين أخيه شحناء ، فيقال : اتركوا هذين حتى يفيئا } رواه مسلم ، وفي رواية { تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس ، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء ، فيقال : انظروا هذين حتى يصطلحا } . وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم } رواه الترمذي وقال حديث حسن . وعن عائشة قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحرى يوم الاثنين والخميس } رواه الترمذي والنسائي . قال الترمذي : حديث حسن . [ ص: 438 ] قال أهل اللغة : سمي يوم الاثنين ; لأنه ثاني الأيام ، قال أبو جعفر النحاس : سبيله أن لا يثنى ولا يجمع ، بل يقال : مضت أيام الاثنين ، قال : وقد حكى البصريون : اليوم الاثن ، والجمع الثني . وذكر الفقهاء أن جمعه الأثانين والأثان ، وفي كتاب سيبويه اليوم الثني فعلى هذا جمعه الأثناء . وقال الجوهري : لا يثنى ولا يجمع ; لأنه مثنى ، فإن أحببت جمعه قلت : أثانين ، وأما يوم الخميس فسمي بذلك ; لأنه خامس الأسبوع . قال النحاس : جمعه أخمسة وخمس وخمسان ، كرغيف ورغف ورغفان ، وأخمساء كأنصباء وأخامس ، حكاه الفراء ، والله أعلم .

( أما حكم المسألة ) فاتفق أصحابنا وغيرهم على استحباب صوم الاثنين والخميس .

( فرع ) قال أصحابنا : ومن الصوم المستحب صوم الأشهر الحرم ، وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ، وأفضلها المحرم ، قال الروياني في البحر : أفضلها رجب ، وهذا غلط ; لحديث أبي هريرة الذي سنذكره إن شاء الله تعالى { أفضل الصوم بعد رمضان شهر الله المحرم } ومن المسنون صوم شعبان ، ومنه صوم الأيام التسعة من أول ذي الحجة ، وجاءت في هذا كله أحاديث كثيرة ، منها حديث مجيبة الباهلية عن أبيها أو عمها أنه { أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انطلق فأتاه بعد سنة وقد تغيرت حالته وهيئته ، فقال : يا رسول الله ، أما تعرفني ؟ قال : ومن أنت ؟ قال : أنا الباهلي الذي جئتك عام الأول ، قال : فما غيرك وقد كنت حسن الهيئة ؟ قال : ما أكلت طعاما منذ فارقتك إلا بليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لما عذبت نفسك ؟ ثم قال : صم شهر الصبر ويوما من كل شهر ، قال : زدني فإن بي قوة ، قال : صم يومين قال : زدني ، قال : صم ثلاثة أيام ، قال زدني ، قال : صم من الحرم واترك ، صم من الحرم واترك ، صم من الحرم واترك ، وقال بأصابعه الثلاث ، ثم أرسلها } رواه أبو داود وغيره . قوله صلى الله عليه وسلم : { صم من الحرم واترك } إنما أمره بالترك ; لأنه كان يشق عليه إكثار الصوم كما ذكره في أول الحديث . [ ص: 439 ] فأما من لم يشق عليه فصوم جميعها فضيلة . وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل } رواه مسلم . وعن عائشة قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول : لا يفطر ، ويفطر حتى نقول : لا يصوم . وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر قط إلا رمضان ، وما رأيته في شهر أكثر منه صياما من شعبان } رواه البخاري ومسلم من طرق .

وفي رواية لمسلم { كان يصوم شعبان كله ، كان يصوم شعبان إلا قليلا } . قال العلماء : اللفظ الثاني مفسر للأول وبيان ; لأن مرادها بكله غالبه وقيل : كان يصومه كله في وقت ويصوم بعضه في سنة أخرى ، وقيل : كان يصوم تارة من أوله وتارة من وسطه وتارة من آخره ولا يخلي منه شيئا بلا صيام ، لكن في سنين . وقيل في تخصيصه شعبان بكثرة الصيام : لأنه ترفع فيه أعمال العباد في سنتهم . وقيل غير ذلك فإن قيل ، فقد سبق في حديث أبي هريرة أن أفضل الصيام بعد رمضان المحرم ، فكيف أكثر منه في شعبان دون المحرم . فالجواب : لعله صلى الله عليه وسلم لم يعلم فضل المحرم إلا في آخر الحياة قبل التمكن من صومه . أو لعله كانت تعرض فيه أعذار تمنع من إكثار الصوم فيه ؟ كسفر ومرض وغيرهما . قال العلماء : وإنما لم يستكمل شهرا غير رمضان لئلا يظن وجوبه . وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر قالوا : يا رسول الله ، ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء } رواه البخاري في صحيحه في كتاب صلاة العيد . وعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء ، وثلاثة أيام من كل شهر وأول اثنين من الشهر ، والخميس } رواه [ ص: 440 ] أبو داود ورواه أحمد والنسائي وقالا : وخميسين . وأما حديث عائشة قالت : { ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائما في العشر قط } وفي رواية { لم يصم العشر } رواهما مسلم في صحيحه ، فقال العلماء : وهو متأول على أنها لم تره ولم يلزم منه تركه في نفس الأمر ; لأنه صلى الله عليه وسلم كان يكون عندها في يوم من تسعة أيام ، والباقي عند باقي أمهات المؤمنين رضي الله عنهن ، أو لعله صلى الله عليه وسلم كان يصوم بعضه في بعض الأوقات وكله في بعضها ، ويتركه في بعضها لعارض سفر أو مرض أو غيرهما ، وبهذا يجمع بين الأحاديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية