صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن نذر أن يعتكف شهرا نظرت فإن كان شهرا بعينه لزمه اعتكافه ليلا ونهارا سواء كان الشهر تاما أم ناقصا ، لأن الشهر عبارة عما بين النهارين تم أو نقص . وإن نذر اعتكاف نهار الشهر لزمه النهار دون الليل ، لأنه خص النهار فلا يلزمه الليل ، فإن فاته الشهر ، ولم يعتكف فيه لزمه قضاؤه ، ويجوز أن يقضيه متتابعا ومتفرقا ، لأن التتابع في أدائه بحكم الوقت ، فإذا فات سقط كالتتابع في يوم شهر رمضان ، وإن نذر أن يعتكف متتابعا لزمه قضاؤه متتابعا ، لأن التتابع ههنا وجب لحكم النذر ، فلم يسقط بفوات الوقت . قال في الأم : إذا نذر اعتكاف شهر وكان قد مضى الشهر لم يلزمه ، لأن الاعتكاف في شهر ماض محال ، فإن نذر اعتكاف شهر غير معين فاعتكف شهرا بالأهلة أجزأه تم الشهر أو نقص ; لأن اسم الشهر يقع عليه ، وإن اعتكف شهرا بالعدد لزمه ثلاثون يوما ; لأن الشهر بالعدد ثلاثون يوما ، ثم ينظر فيه ، فإن شرط التتابع لزمه التتابع ; لقوله صلى الله عليه وسلم : { من نذر نذرا سماه فعليه الوفاء به } وإن شرط أن يكون متفرقا جاز متفرقا ومتتابعا ; لأن المتتابع أفضل من المتفرق . فجاز أن يسقط أدنى الفرضين بأفضلهما ، كما لو نذر أن يعتكف في غير المسجد الحرام ، فله أن يعتكف في المسجد الحرام ، وإن أطلق النذر جاز متفرقا ومتتابعا ، كما لو نذر صوم شهر ) .


[ ص: 517 ] الشرح ) هذا حديث رواه ابن ماجه والترمذي .

( أما الأحكام ) فقال الأصحاب : إذا نذر اعتكاف شهر بعينه وأطلق لزمه اعتكافه ليلا ونهارا تاما كان الشهر أو ناقصا ، ويجزئه الناقص بلا خلاف ، فإن قال : أيام الشهر ، فلا يلزمه الليالي ، أو يقول : الليالي ، فلا تلزمه الأيام ، فلو لم يلفظ بالتقييد بالأيام دون الليالي أو عكسه ، ولكن نواه بقلبه فوجهان ( أصحهما ) عند المتولي والبغوي والرافعي وغيرهم لا أثر لنيته ; لأن النذر لا يصح إلا باللفظ .

( والثاني ) يكون كاللفظ ; لأن النية تمييز الكلام المجمل ، كما لو نذر عشرة أيام أو ثلاثين يوما وأراد الأيام خاصة ، فإنه لا يلزمه إلا الأيام خاصة بلا خلاف ، قال البغوي : وهذا الوجه هو قول القفال ، قال المتولي : ولو نذر اعتكافا مطلقا بلسانه ونوى بقلبه عشرة أيام فهل تلزمه العشرة أم يكفيه ما يقع عليه الاسم ؟ فيه هذان الوجهان ، قال أصحابنا : وإن فاته الاعتكاف في الشهر الذي عينه لزمه قضاؤه ويجوز متفرقا ومتتابعا لما ذكره المصنف ، وحكى أصحابنا عن أحمد أنه قال : يلزمه التتابع في القضاء .

أما إذا نذر اعتكاف شهر بعينه أو عشرة أيام بعينها وشرط التتابع بأن قال : نذرت اعتكاف هذا الشهر متتابعا أو هذه الأيام العشرة متتابعة ففاته ذلك المعين فيلزمه قضاؤه وهل يجب القضاء في هذه الصورة متتابعا ؟ فيه وجهان ( أصحهما ) وبه قطع المصنف والأكثرون يجب لتصريحه به ( والثاني ) حكاه الفوراني والمتولي والبغوي وآخرون من الخراسانيين لا يجب ، بل يجوز متفرقا ; لأن التتابع يقع فيه ضرورة فلا أثر لتصريحه . [ ص: 518 ] أما إذا نذر اعتكاف شهر مضى بأن قال : أعتكف شهر رمضان سنة سبعين وستمائة وهو في سنة إحدى وسبعين فلا يلزمه بلا خلاف ; لفساد نذره ، نص عليه الشافعي في الأم وتابعه الأصحاب ، أما إذا نوى اعتكاف شهر غير معين فإنه يكفيه شهر الهلال تم أو نقص ، لأن الشهر اسم لما بين الهلالين وإنما ، يحصل له هذا إذا دخل فيه قبل غروب الشمس ليلة الهلال ، فإن دخل بعد الغروب فقد صار شهره عدديا ، فيلزمه استكمال ثلاثين يوما بلياليها ، ثم إن كان شرط التتابع لزمه بلا خلاف لما ذكره المصنف . وإن شرط التفريق جاز متفرقا ، وهل يجوز متتابعا ؟ فيه طريقان ( أصحهما ) القطع بجوازه . وبه قطع المصنف والأكثرون . لأنه أفضل ( والثاني ) فيه وجهان حكاهما إمام الحرمين وغيره من الخراسانيين ( أصحهما ) هذا ( والثاني ) لا يجزئه ، لأنه خلاف ما سماه ، وإن لم يشترط التتابع ولا التفريق فيجوز متفرقا ومتتابعا على المذهب ، وبه قطع المصنف والجمهور ، لكن يستحب التتابع وخرج ابن سريج قولا أنه يلزمه التتابع حكاه عنه إمام الحرمين والمتولي وغيرهما وهذا شاذ ضعيف والله أعلم ، ولو نذر اعتكاف العشر الأواخر من شهر بعينه ففاته وخرج الشهر ناقصا لم يلزمه إلا قضاء تسعة أيام بلياليها ، لأن العشر الذي التزمه إنما كان تسعة بلياليها ، صرح به المتولي وغيره وهو ظاهر . .

التالي السابق


الخدمات العلمية