صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن نذر أن يعتكف يوما ، لزمه أن يدخل فيه قبل طلوع الفجر ، ويخرج منه بعد غروب الشمس ; ليستوفي الفرض بيقين وهل يجوز أن يفرقه في ساعات أيام ؟ فيه وجهان ( أحدهما ) يجوز كما يجوز أن يعتكف شهرا من شهور ( والثاني ) لا يجوز ; لأن اليوم عبارة عما بين طلوع الفجر وغروب الشمس ) .


( الشرح ) قال أصحابنا : إذا نذر اعتكاف يوم لم يلزمه معه ليله بلا خلاف بل يلزمه أن يدخل فيه قبل طلوع الفجر ، ويخرج منه بعد غروب الشمس لأن حقيقة اليوم ما بين الفجر وغروب الشمس ، [ ص: 519 ] هكذا قاله الخليل بن أحمد وغيره من أئمة اللغة وغيرهم ، وإذا كان كذلك وجب الدخول قبل الفجر والمكث إلى ما بعد غروب الشمس ليسقط الفرض كما يجب على الصائم إمساك جزء بعد الغروب لاستكمال اليوم ، وهل يجوز أن يفرق اليوم في ساعات من أيام ؟ بأن يعتكف من كل يوم ساعة أو ساعتين أو ساعات حتى يستكمل اليوم ؟ فيه هذان الوجهان المذكوران في الكتاب بدليلهما ( أصحهما ) وبه قال أكثر أصحابنا : لا يجوز . وحكى الدارمي وجها ثالثا عن القيصري من أصحابنا أنه لو نوى اليوم متتابعا لم يجزئه وإن أطلق أجزأه تفريق ساعاته . قال أصحابنا : ولو دخل في الاعتكاف في أثناء النهار ، وخرج بعد غروب الشمس ثم عاد قبل الفجر ، ومكث إلى مثل ذلك الوقت ، ففي إجزائه هذان الوجهان ، فلو لم يخرج بالليل فطريقان .

( أحدهما ) وبه قطع الأكثرون ، وهو ظاهر نص الشافعي أو هو نصه أنه يجزئه ، سواء جوزنا التفريق في ساعات من أيام ، أم لا ، لحصول التواصل .

( والثاني ) أنه على الوجهين في تفريق الساعات كما لو خرج في الليل ، وبهذا الطريق قال أبو إسحاق المروزي ، وحكاه عنه أصحابنا العراقيون وإمام الحرمين والمتولي وغيرهما من الخراسانيين ، لأنه لم يأت بيوم متواصل الساعات واعتكافه تلك الليلة غير داخل في نذره ، ولا أثر له فكأنه خرج في الليل ثم عاد ، فسواء مكث في المسجد أو خرج ثم عاد ، فبمجرد حصول الليل حصل التفريق .

قال إمام الحرمين : وهذا الذي قاله أبو إسحاق منقاس متجه ، وإن كان معظم الأصحاب على خلافه ، قال : وعرض على أبي إسحاق نص الشافعي على تجويز ذلك مع مصيره إلى أن تفريق ساعات اليوم لا يجزئ فقال : نصه محمول على ما إذا قال : لله علي أن أعتكف يوما من وقتي هذا ، فإذا قال ذلك فلا وجه إلا الصبر إلى مثله من الغد ، هذا كلام الإمام ، ولو قال : لله علي أن أعتكف يوما من هذا الوقت فقد اتفق أصحابنا في الطرق كلها على أنه يلزمه دخول المعتكف [ ص: 520 ] من ذلك الوقت إلى مثله من الغد ، ولا يجوز الخروج بالليل ، بل يجب مكثه لتحقق التواصل ، قال الشافعي : وهذا فيه نظر ; لأن الملتزم يوم وليست الليلة منه فلا يمنع التتابع ، قال : والقياس أن يجعل فائدة التقييد في هذه الصورة القطع بجواز التفريق لا غير . ثم حكى إمام الحرمين عن الأصحاب تفريعا على جواز تفريق الساعات أنه يكفيه ساعات أقصر الأيام ; لأنه لو اعتكف أقصر الأيام جاز ، ثم قال : إن فرق على ساعات أقصر الأيام في سنين فالأمر كذلك ، وإن اعتكف في أيام متباينة في الطول والقصر فينبغي أن ينسب اعتكافه في كل يوم بالجزئية إن كان ثلثا ، فقد خرج عن ثلث ما عليه وعلى هذا القياس ، نظرا إلى اليوم الذي يقع فيه الاعتكاف ، ولهذا لو اعتكف من يوم طويل بقدر ساعات أقصر الأيام لم يكفه قال الرافعي : وهو استدراك حسن ، وقد أجاب عنه بما لا يشفي ، والله أعلم .

قال المتولي وغيره : لو نذر اعتكاف ليلة فهو في معنى اعتكاف اليوم على ما سبق ، فيدخل المسجد قبل غروب الشمس ، ويمكث حتى يطلع الفجر ، فلو أراد تفريقا من ساعات ليالي ففيه الخلاف السابق في تفريق ساعات اليوم من أيام ، وكذا لو دخل نصف الليل وبقي إلى نصف الليلة الأخرى ففيه الطريقان السابقان ( أشهرهما ) القطع بالإجزاء ، وقال أبو إسحاق : فيه الوجهان ، والله أعلم .

( فرع ) قال المتولي : لو نذر اعتكاف يوم فاعتكف بدله ليلة - فإن لم يكن عين الزمان - لم يجزئه - لأنه قادر على الوفاء بنذره على الصفة الملتزمة فهو كمن نذر أن يصلي ركعتين بالنهار ، فصلاهما بالليل ، وإن كان عين الزمان في نذره ففات فاعتكف بدل اليوم ليلة أجزأه ، كما لو فاته صلاة نهار ، إما مكتوبة أو منذورة فقضاها في الليل ، فإنه يجوز وسببه أن الليل صالح للاعتكاف كالنهار وقد فات الوقت فوجب قضاء القدر الفائت ، فأما الوقت فيسقط حكمه بالفوات . .

التالي السابق


الخدمات العلمية