صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن نذر اعتكاف يومين لزمه اعتكافهما ، وفي الليلة التي بينهما ثلاثة أوجه ( أحدها ) يلزمه اعتكافها ، لأنه ليل يتخلل نهار الاعتكاف فلزمه اعتكافها كالليالي العشر .

( والثاني ) إن شرط التتابع لزمه [ ص: 521 ] اعتكافها ; لأنه لا ينفك منها اليومان ، وإن لم يشترط التتابع لم يلزمه اعتكافها ; لأنه قد ينفك منها اليومان فلا يلزمه اعتكافها ( والثالث ) لا يلزمه اعتكافها ، شرط فيه التتابع أم أطلق ، وهو الأظهر ; لأنه زمان لا يتناوله نذره فلا يلزمه اعتكافه كليلة ما قبله وما بعده . وإن نذر اعتكاف ليلتين لزمه اعتكافهما . وفي اليوم الذي بينهما الأوجه الثلاثة . وإن نذر اعتكاف ثلاثين يوما لزمه اعتكاف ثلاثين يوما . وفي لياليها الأوجه الثلاثة ) .


( الشرح ) قال أصحابنا : إذا نذر اعتكاف يوم لم يلزمه معه ليلة . هذا هو المذهب وبه قطع الأصحاب في كل الطرق ، ونقل إمام الحرمين اتفاق الأصحاب عليه فقال : قال أصحابنا : إذا نذر اعتكاف يوم لم يلزمه ضم الليلة إليه بالاتفاق إلا أن ينويها . قال : ثم اتفقوا على أنه إذا نواها لزمه اعتكافها مع اليوم . ثم استشكله الإمام من حيث إن الليلة لم يذكرها ، والنية المجردة لا يلزم بها النذر ثم أجاب عنه بأن اليوم قد يطلق ويراد به اليوم بليلته ، وهذا شائع على الجملة ، وإن لم يكن هو الظاهر من اللفظ فعملت النية فيه . هذا كلامه . وهو كلام نفيس وحكى الرافعي قولا غريبا أن الليلة تلزم في نذر اعتكاف اليوم ، إلا أن ينوي يوما بلا ليلة ، وهذا شاذ ضعيف ولا تفريع عليه ، ولو نذر اعتكاف شهر دخلت الأيام والليالي بلا خلاف . ونقل إمام الحرمين وغيره اتفاق الأصحاب عليه . وقد ذكره المصنف وشرحناه قبل ، هذا لأن الشهر اسم للجميع ، وهو ما بين الهلالين ، ولو نذر اعتكاف يومين لزمه اليومان ، وفي الليلة التي بينهما ثلاث طرق : ( أحدها ) حكاه إمام الحرمين عن المراوزة أنهم قطعوا بأنها لا تجب ، قال : وإنما ذكر المراوزة الخلاف في الليالي المتخللة فيما إذا نذر اعتكاف ثلاثة أيام فصاعدا .

( والطريق الثاني ) طريقة الشيخ أبي حامد وابن الصباغ والمتولي وأكثر أصحابنا المصنفين أنه إن صرح بالتتابع في اليومين أو نواه لزمته الليلة المتخللة وجها واحدا وإلا فوجهان .

( والطريق الثالث ) طريقة المصنفين وقليلين أن في المسألة ثلاثة أوجه ( أحدها ) تلزمه الليلة إلا أن يريد بياض النهار فقط ( والثاني ) [ ص: 522 ] لا تلزمه إذا نواها ( والثالث ) إن نوى التتابع أو صرح به لزمته الليلة وإلا فلا . قال الرافعي : هذا الوجه الثالث هو الراجح عند الأكثرين قال : ورجح صاحب المهذب وآخرون أنها تلزمه مطلقا قال : والوجه أن يتوسط فيقال : إن كان المراد بالتتابع توالي اليومين ، فالصواب قول صاحب المهذب ، وإن كان المراد تواصل الاعتكاف فالصواب ما قاله الأكثرون ، وهذا الذي اختاره الرافعي جزم الدارمي به فقال : إذا نوى اعتكاف يومين متتابعين لزمته الليلة معهما ، وإن نوى المتابعة في النهار كالصوم لم يلزمه الليل ، وإن لم ينو تتابعا فوجهان : وإن نذر ليالي فإن نوى متتابعة لزمته الأيام ، وإن نوى تتابع الليالي لم تلزمه الأيام ، وإن لم ينو التتابع فعلى الوجهين ( أصحهما ) لا يلزمه . هذا كلام الدارمي . والله أعلم .

قال أصحابنا : ولو نذر اعتكاف ليلتين ففي النهار المتخلل بينهما هذا الخلاف ، ولو نذر ثلاثة أيام أو عشرة أو ثلاثين ففي وجوب اعتكاف الليالي المتخللة هذا الخلاف هكذا قطع به الجمهور ، وحكى البغوي هذا وحكى طريقا آخر واختاره أنه يلزمه الليالي هنا وجها واحدا ، والمذهب الأول ، واتفق أصحابنا على أن الخلاف إنما هو في الليالي المتخللة ، وهي تنقص عن عدد الأيام بواحد أبدا ولا خلاف أنه لا يلزمه ليالي بعدد الأيام . هكذا صرحوا في جميع الطرق بأنه لا خلاف فيه ، وكذا صرح بنفي الخلاف فيه الرافعي ، وكان ينبغي أن يجيء فيه القول الذي قدمناه عن حكاية الرافعي أن من نذر يوما لزمته ليلته . قال أصحابنا : ولو نذر اعتكاف العشر الأواخر من شهر رمضان دخل فيه الليالي والأيام بلا خلاف ; لأنه اسم لذلك ، وقد سبقت المسألة مشروحة وتكون الليالي هنا بعدد الأيام كما في الشهر ، ولو نذر عشرة أيام من آخر الشهر ففي دخول الليالي الخلاف ، هذا تفصيل مذهبنا ، وقال أبو حنيفة : إذا نذر اعتكاف يومين لزمه يومان وليلتان ، وحكاه المتولي عن أحمد ، وعندنا لا يلزمه ليلتان ، وفي لزوم ليلة واحدة الخلاف السابق ، وبه قال مالك وأبو يوسف ، وهو المشهور عن أحمد ، واحتج أصحابنا بأن اليومين تثنية ، لليوم وليس في اليوم ليلة ، فكذا في اليومين ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية