صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( فإن حضرت الجمعة وهو من أهل الفرض ، والاعتكاف في غير الجامع ، لزمه أن يخرج إليها ، لأن الجمعة فرض بالشرع ، فلا يجوز تركها بالاعتكاف ، وهل يبطل اعتكافه بذلك أم لا ؟ فيه قولان ، قال في البويطي : لا يبطل ، لأنه خروج لا بد منه فلا يبطل بالاعتكاف [ ص: 541 ] كالخروج لقضاء حاجة الإنسان ، وقال في عامة كتبه : يبطل لأنه يمكنه الاحتراز من الخروج بأن يعتكف في الجامع ، فإذا لم يفعل بطل اعتكافه ، كما لو دخل في صوم الشهرين المتتابعين [ في شعبان ] فخرج منه بصوم رمضان ) .


( الشرح ) قال أصحابنا : إذا اعتكف في غير الجامع وحضرت الجمعة وهو من أهل وجوبها لزمه الخروج إليها بلا خلاف ، سواء كان اعتكافه نفلا أو نذرا ; لأنها فرض عين ، وهو مقصر حيث لم يعتكف في الجامع ، فإن كان اعتكافه تطوعا بطل خروجه ، وإن كان نذرا غير متتابع لم يحسب له مدة ذهابه ومكثه في الجامع ورجوعه ، فإذا عاد إلى المسجد بنى على اعتكافه الأول هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور ، وحكى السرخسي قولا إنه لا يحسب له زمان الخروج ، كما لو خرج لقضاء الحاجة وهذا غريب ضعيف ; لأن هذا مقصر بترك الجامع أولا بخلاف قضاء الحاجة ، وإن كان نذرا متتابعا ولم ينقض ففي بطلانه بالخروج خلاف حكاه المصنف والمحاملي في المجموع ، والبغوي والسرخسي وخلائق قولين وحكاه القاضي أبو الطيب وابن الصباغ والمتولي وآخرون وجهين . وغلط صاحب البيان حيث أنكر على صاحب المهذب حكايته الخلاف قولين وقال : إنما يحكيهما أكثر أصحابنا وجهين ، ثم اتفق الأصحاب على أن الأصح انقطاع التتابع وبطلان اعتكافه ، وهو المشهور من نصوص الشافعي كما ذكره المصنف ، وبه قطع الماوردي والمحاملي في التجريد والجرجاني وآخرون ( والثاني ) لا يبطل وتعليلهما في الكتاب قال أصحابنا : فإن قلنا : إن خروجه للجمعة يبطل اعتكافه ، فإن كان اعتكافه المنذور أقل من أسبوع ابتدأ به من أول الأسبوع في أول مسجد شاء ، ويخرج للجمعة بعد انقضائه ، وإن أراد الاعتكاف في الجامع ابتدأ به متى شاء ، وإن كان أكثر من أسبوع وجب أن يبتدئه في الجامع ، فإن كان قد عين في نذره غير الجامع ( وقلنا ) يتعين لم يمكنه الوفاء بنذره إلا بأن يمرض وتسقط عنه الجمعة أو يتركها عاصيا ويدوم على اعتكافه ، والله أعلم . [ ص: 542 ] فرع في مذاهب العلماء في خروج المعتكف من اعتكاف منذور متتابع لصلاة الجمعة . ذكرنا أن الصحيح من مذهبنا بطلان اعتكافه ، وبه قال مالك ، وهو رواية عن أبي حنيفة ، وقال سعيد بن جبير والحسن البصري والنخعي وأحمد وعبد الملك من أصحاب مالك وابن المنذر وداود وأبو حنيفة في رواية عنه : لا يبطل اعتكافه وقد ذكر المصنف دليل المذهبين ، والله أعلم . .

التالي السابق


الخدمات العلمية