صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( فإن لم يجد الزاد لم يلزمه لما روى ابن عمر قال : { قام رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ما يوجب الحج ؟ فقال : الزاد والراحلة } فإن لم يجد الماء لم يلزمه ; لأن الحاجة إلى الماء أشد من الحاجة إلى الزاد فإذا لم يجب على من لم يجد الزاد ، فلأن لا يجب على من لم يجد الماء أولى ، وإن وجد الماء والزاد بأكثر من ثمن المثل لم يلزمه ; لأنه لو لزم ذلك لم يأمن أن لا يباع منه ذلك إلا بما يذهب به جميع ماله ، وفي إيجاب ذلك إضرار فلم يلزمه ) .


( الشرح ) حديث ابن عمر رواه الترمذي من رواية ابن عمر كما ذكره المصنف ، وقال : إنه حديث حسن وفي إسناده إبراهيم بن يزيد الخوزي ، قال الترمذي : وقد تكلم فيه بعض من قد قل حفظه . والله أعلم .

( قلت ) وقد اتفقت الحفاظ على تضعيف إبراهيم الخوزي قال البيهقي : قال الشافعي : قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث تدل على أنه لا يجب المشي على أحد في الحج ، وإن أطاقه ، غير أن فيها منقطعا ، ومنها ما يمنع أهل الحديث من تثبيته ثم ذكر حديث ابن عمر هذا [ ص: 53 ] من رواية الخوزي قال البيهقي : هذا هو الذي عنى الشافعي بقوله : يمتنع أهل الحديث من تثبيته ، قال : وإنما امتنعوا من تثبيته ; لأنه يعرف بالخوزي ، وقد ضعفه أهل الحديث قال : وقد روي من طريق غير الخوزي ولكنه أضعف من الخوزي قال : وروي عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أراه إلا موهما فالصواب عن قتادة عن الحسن البصري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا . قال البيهقي : وروي في المسألة أحاديث أخر لا يصح شيء منها ( وأشهرها ) حديث إبراهيم الخوزي ، وينضم إليه مرسل الحسن ، وقد روى الدارقطني هذا الحديث من رواية جماعة من الصحابة ، وهي الأحاديث التي قال البيهقي : لا يصح شيء منها ، وروى الحاكم حديث أنس وقال : هو صحيح ، ولكن الحاكم متساهل كما سبق بيانه مرات . والله أعلم .

أما حكم المسألة فقال الشافعي والأصحاب - رحمهم الله - : ويشترط لوجوب الحج وجود الزاد والماء في المواضع التي جرت العادة بوجوده فيها ويشترط وجودها بثمن المثل فإن زاد لم يجب الحج لأن وجود الشيء بأكثر من ثمن مثله كعدمه ويشترط وجود أوعية الزاد والماء وما يحتاج إليه في سفره قال أصحابنا : فإن كانت سنة جدب وخلت بعض المنازل التي جرت العادة بحمل الزاد منها من أهلها ، أو انقطعت المياه في بعضها ، لم يجب الحج ، قال أصحابنا : وثمن المثل المعين في الماء والزاد هو القدر اللائق به في ذلك الزمان والمكان ، فإن وجدهما بثمن المثل ، لزمه تحصيلهما والحج ، سواء كانت الأسعار غالية أم رخيصة ، إذا وفى ماله بذلك . قال أصحابنا : ويجب حمل الماء والزاد بقدر ما جرت العادة به في طريق مكة ، كحمل الزاد من الكوفة إلى وحمل الماء مرحلتين وثلاثا ، ونحو ذلك بحسب العادة والمواضع ، ويشترط وجود آلات الحمل ( وأما ) [ ص: 54 ] علف الدواب فيشترط وجوده في كل مرحلة ; لأن المؤنة تعظم في حمله لكثرته ، هكذا ذكره البغوي والمتولي والرافعي وغيرهم ، وينبغي أن يعتبر فيه العادة كالماء ، والله أعلم .

ولو ظن كون الطريق فيه مانع ، كعدم الماء أو العلف ، أو أن فيه عدوا أم نحو ذلك ، فترك الحج ، فبان أن لا مانع ، فقد استقر عليه وجوب الحج ، وصرح به الدارمي وغيره ، ولو لم يعلم وجود المانع ، ولا عدمه قال الدارمي : إن كان هناك أصل عمل عليه ، وإلا فيجب الحج ، وهذا في العدو ظاهر ( وأما ) في وجود الماء والعلف فمشكل ; لأن الأصل عدمهما .

( فرع ) لو لم يجد ما يصرفه في الزاد والماء ، ولكنه كسوب يكتسب ما يكفيه ووجد نفقة ، فهل يلزمه الحج تعويلا على الكسب ؟ حكم إمام الحرمين عن أصحابنا العراقيين أنه إن كان السفر طويلا أو قصيرا ، ولا يكتسب في كل يوم إلا كفاية يومه لم يلزمه ; لأنه ينقطع عن الكسب في أيام الحج ، وإن كان السفر قصيرا ويكتسب في يوم كفاية أيام لزمه الحج ، قال الإمام : وفيه احتمال ، فإن القدرة على الكسب يوم العيد لا تجعل كملك الصاع في وجوب الفطرة ، وهذا ما ذكره الإمام وحكاه الرافعي وسكت عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية