صفحة جزء
[ ص: 57 ] قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( : وإن كان محتاجا إليه لنفقة من تلزمه نفقته لم يلزمه الحج ; لأن النفقة على الفور والحج على التراخي ، وإن احتاج إليه لمسكن لا بد له من مثله أو خادم يحتاج إلى خدمته لم يلزمه ) .


( الشرح ) أما إذا احتاج إليه لنفقة من تلزمه نفقته مدة ذهابه ورجوعه فلا يلزمه الحج ، لما ذكره المصنف ، قال أصحابنا : وكسوة من تلزمه كسوته وسكناه كنفقته ، وكذلك سائر المؤن ( أما ) إذا احتاج إلى مسكن أو خادم يحتاج إلى خدمته لمنصبه أو زمانته ونحوهما وليس معه ما يفضل عن ذلك فهل يلزمه الحج ؟ فيه وجهان : ( أصحهما ) وبه قطع المصنف وكثيرون أو الأكثرون لا يلزمه ، وصححه الجمهور وممن قطع به مع المصنف القاضي أبو الطيب في تعليقه ، وفي المجرد والدارمي والمحاملي والفوراني والبغوي وآخرون ونقله المحاملي في المجموع عن أصحابنا ، ونقل تصحيحه الرافعي عن الأكثرين ، وقاسوه على الكفارة ، فإنه لا يلزمه بيع المسكن والخادم فيهما ، وعلى ثيابه وما في معناها من ضروريات حاجاته .

( والوجه الثاني ) يلزمه الحج وبيع المسكن والخادم في ذلك ، وبهذا قطع الشيخ أبو حامد فيما نقله صاحب الشامل ، وقطع به أيضا البندنيجي ، صححه القاضي الحسين والمتولي ، وعلى هذا يستأجر مسكنا وخادما ، وفرق القاضي حسين بينه وبين الكفارة ، بأن لها بدلا ينتقل إليه بخلاف الحج ، والمذهب أنه لا يلزمه الحج كما سبق قالالمحاملي : ولم ينص الشافعي على هذه المسألة ، إلا أنه ذكر قريبا منها ، فإذا اشترطنا لوجوب الحج زيادة على المسكن والخادم فلم يوجدا عنده ، وعنده مال يصرفه فيهما ، ولا يفضل شيء لم يلزمه الحج ، هذا كله إذا كانت الدار مستغرقة لحاجته ، وكانت سكنى مثله والعبد لائق بخدمة مثله ، فإن أمكن ببعض الدار ووفى ثمنه بمؤنة الحج ، ويكفيه لسكناه باقيها ، أو كانا لا يليقان بمثله ، ولو أبدلهما أوفى الزائد [ ص: 58 ] بمؤنة الحج فإنه يلزمه الحج هكذا صرح به الأصحاب هنا وكذا نقل الرافعي أن الأصحاب أطلقوه هنا ، قال : لكل في بيع الدار والعبد النفيسين المألوفين في الكفارة وجهان ، قال : ولا بد من جريانهما هنا وهذا لم ينقله عن غيره ، وليس جريانهما بلازم ، والفرق ظاهر ، فإن الكفارة لها بدل ، ولهذا اتفقوا على ترك المسكن والخادم في الكفارة واختلفوا فيهما هنا ، والله أعلم

( فرع ) لو كان فقيها وله كتب فهل يلزمه بيعها للحج ؟ قال القاضي أبو الطيب في تعليقه : إن لم يكن له من كل كتاب إلا نسخة واحدة لم يلزمه ; لأنه يحتاج إلى كل ذلك ، وإن كان له نسختان لزمه بيع إحداهما فإنه لا حاجة به إليها ، هذا كلام القاضي أبي الطيب ، وقال في مجرده : لا يلزمه بيع كتبه إلا إذا كان له نسختان من كتاب ، فيجب بيع إحداهما وقال القاضي حسين في تعليقه : يلزم الفقيه بيع كتبه في الزاد والراحلة وصرف ذلك في الحج ، وكذا المسكن والخادم ، وهذا الذي قاله القاضي حسين ضعيف ، وهو تفريع منه على طريقته الضعيفة في وجوب بيع المسكن والخادم للحج ، وقد سبق أن المذهب لا يلزمه ذلك ، فالصواب ما قاله القاضي أبو الطيب فهو الجاري على عادة المذهب ، وعلى ما قاله الأصحاب هنا في المسكن والخادم ، وعلى ما قالوه في باب الكفارة وباب التفليس ، وقد سبق بيان المسكن والخادم في أول باب قسم الصدقات ، في فصل سهم الفقير ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية