صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى : ( وإن لم يجد الزاد والراحلة وهو قادر على المشي وله صنعة يكتسب بها كفايته لنفقته ، استحب له أن يحج ; لأنه يقدر على إسقاط الفرض بمشقة لا يكره تحملها ، فاستحب له إسقاط الفرض ، كالمسافر إذا قدر على الصوم في السفر ، وإن لم يكن له صنعة ويحتاج إلى تكفف الناس كره له أن يحج بمسألة ; لأن المسألة مكروهة ، ولأن في المسألة تحمل مشقة شديدة فكره )


( الشرح ) قوله : لا يكره تحملها احتراز عن المسألة ( وقوله : ) يتكفف معناه : يسأل الناس شيئا في كفه ، وهذا الحكم الذي ذكره في المسألتين متفق عليه عندنا ، قال أصحابنا : ولو أمكنه أن يكري نفسه في طريقه استحب له الحج بذلك ، ولا يجب ذلك ، ودليلهما ما بينا في القادر على الصنعة فإن أكرى نفسه فحضر موضع الحج لزمه الحج ; لأنه متمكن الآن بلا مشقة وقد قدمنا أنه لا يجب عليه استقراض مال يحج به بلا خلاف .

( فرع ) قال الشافعي والأصحاب : يستحب لقاصد الحج أن يكون متخليا عن التجارة ونحوها في طريقه ، فإن خرج بنية الحج والتجارة فحج واتجر صح حجه وسقط عنه فرض الحج ، لكن ثوابه دون ثواب المتخلي عن التجارة ، وكل هذا لا خلاف فيه ، ودليل هذا مع ما سبق ثابت عن ابن عباس قال : " كانت عكاظ ومكة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية فمالوا أن يتجروا في المواسم ، فنزلت : { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم } - في مواسم الحج " رواه البخاري وعن ابن عباس أيضا : " أن الناس في أول الحج كانوا يتبايعون بمنى وعرفات وذي المجاز ومواسم الحج ، فخافوا البيع وهم حرم ، فأنزل الله - تعالى - : { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم } - في مواسم الحج " رواه أبو داود بإسناد على شرط البخاري ومسلم .

وعن أبي أمامة التيمي قال : { كنت رجلا أكرى في هذا [ ص: 62 ] الوجه ، وإن ناسا يقولون : ليس لك حج ، فقال ابن عمر : أليس يحرم ويلبي ويطوف بالبيت ويفضي من عرفات ويرمي الجمار ؟ قلت : بلى ، قال : فإن لك حجا ، جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عما سألتني عنه فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجبه حتى نزلت هذه الآية { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم } فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرأ عليه هذه الآية وقال : لك حج } رواه أبو داود بإسناد صحيح . وعن عطاء عن ابن عباس ، أن رجلا سأله فقال : " أؤاجر نفسي من هؤلاء القوم فأنسك معهم المناسك إلى آخرها ؟ فقال ابن عباس : نعم أولئك لهم نصيب مما كسبوا ، والله سريع الحساب " رواه الشافعي والبيهقي بإسناد حسن .

( فرع ) في مذاهب العلماء فيمن عادته سؤال الناس أو المشي ، مذهبنا أنه لا يلزمه الحج ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد ، ونقله ابن المنذر من الحسن البصري ومجاهد وسعيد بن جبير وأحمد وإسحاق ، وبه قال بعض أصحاب مالك قال البغوي : هو قول العلماء ، وقال مالك : يلزمه الحج في الصورتين ، وبه قال داود ، وقال عكرمة : الاستطاعة صحة البدن ، قال ابن المنذر : لا يثبت في الباب حديث مسند قال : وحديث { ما السبيل ؟ قال : الزاد والراحلة } ضعيف ، وهو كما قال ، وقد سبق بيانه .

التالي السابق


الخدمات العلمية