صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن كان الطريق غير آمن لم يلزمه ، لحديث أبي أمامة ; لأنه في إيجاب الحج مع الخوف تغرير بالنفس والمال ، وإن كان الطريق آمنا إلا أنه محتاج إلى خفارة لم يلزمه ; لأن ما يؤخذ من الخفارة بمنزلة ما زاد على ثمن المثل وأجرة المثل في الزاد والراحلة فلا يلزمه ، ولأنه رشوة على واجب فلم يلزمه )


( الشرح ) حديث أبي أمامة سبق في الفصل الذي قبل هذا أنه حديث ضعيف ، وسبق في الفصل المذكور أن الخفارة - بضم الخاء وكسرها وفتحها - والرشوة - بكسر الراء وضمها - لغتان مشهورتان . [ ص: 63 ] أما الأحكام فقال أصحابنا : يشترط لوجوب الحج أمن الطريق في ثلاثة أشياء ، النفس والمال والبضع ( فأما ) البضع فمتعلق بحج المرأة والخنثى ، وسنذكرهما بعد هذا بقليل حيث ذكرهما المصنف إن شاء الله - تعالى - قال إمام الحرمين : وليس الأمن المشترط أمنا قطعيا . قال : ولا يشترط الأمن الغالب في الحضر بل الأمن في كل مكان بحسب ما يليق به ( فأما ) النفس فمن خاف عليها من سبع أو عدو كافر أو مسلم أو غير ذلك لم يلزمه الحج إن لم يجد طريقا آخر آمنا . فإن وجده لزمه ، سواء كان مثل طريقه أو أبعد إذا وجد ما يقطعه به ، وفيه وجه شاذ ضعيف أنه لا يلزمه سلوك الأبعد ، حكاه المتولي والرافعي والصحيح الأول وبه قطع الجمهور .

( وأما ) البحر فسنذكر الخوف منه عقيب هذا إن شاء الله - تعالى - ( وأما ) المال فلو خاف على ماله في الطريق من عدو أو رصدي أو غيره ، لم يلزمه الحج سواء طلب الرصدي شيئا قليلا أو كثيرا إذا تعين ذلك الطريق لم يجد غيره سواء كان العدو الذي يخافه مسلمين أو كفارا ، لكن قال أصحابنا : إن كان العدو كفارا وأطاق الحاج مقاومتهم استحب لهم الخروج إلى الحج ويقاتلونهم لينالوا الحج والجهاد جميعا ، وإن كانوا مسلمين لم يستحب الخروج ولا القتال .

قال أصحابنا : ويكره بذل المال للراصدين ; لأنهم يحرصون على التعرض للناس بسبب ذلك ، هكذا صرح به القاضي حسين والمتولي والبغوي ، ونقله الرافعي وغيرهم ولو وجدوا من يخفرهم بأجرة وغلب على الظن أمنهم ففي وجوب استئجاره ووجوب الحج وجهان ، حكاهما إمام الحرمين : ( وأصحهما ) عنده وجوبه ; لأنه من جملة أهب الطريق فهو كالراحلة ( والثاني ) لا يجب ; لأن سبب الحاجة إلى ذلك خوف الطريق وخروجها عن الاعتدال ، وقد ثبت أن أمن الطريق شرط ، هكذا ذكر الوجهين إمام الحرمين وتابعه الغزالي والرافعي ، والذي ذكره المصنف وجماهير الأصحاب من العراقيين والخراسانيين أنه إذا احتاج إلى خفارة لم يجب الحج ، [ ص: 64 ] فيحمل على أنهم أرادوا بالخفارة ما يأخذه الرصديون في المرصد ، وهذا لا يجب الحج معه بلا خلاف ولا يكونون متعرضين لمثله . قال إمام الحرمين : يحتمل أنهم أرادوا الصورتين فيكون خلاف ما قاله ولكن الاحتمال الأول أصح وأظهر في الدليل ، فيكون الأصح على الجملة وجوب الحج إذا وجدوا من يصحبهم الطريق بخفارة ، ودليله ما ذكره الإمام ، وقد صححه إمامان من محققي متأخري ، أصحابنا أبو القاسم الرافعي وأبو عمرو بن الصلاح مع اطلاعهما على عبارة الأصحاب التي ذكرناها والله أعلم .

ولو امتنع محرم المرأة من الخروج معها إلا بأجرة ، قال إمام الحرمين : هو مقيس على أجرة الخفير ، واللزوم في المحرم أظهر ; لأن الداعي إلى الأجرة معنى في المرأة ، فهو كمؤنة المحمل في حق المحتاج إليه والله أعلم .

( فرع ) قال البغوي وغيره : يشترط لوجوب الحج وجود رفقة يخرج معهم في الوقت الذي جرت عادة أهل بلده بالخروج فيه ، فإن خرجوا قبله لم يلزمه الخروج معهم ، وإن أخروا الخروج بحيث لا يبلغون مكة إلا بأن يقطعوا في كل يوم أكثر من مرحلة لم يلزمه أيضا ، قال البغوي : لو لم يجد المال حال خروج القافلة ثم وجده بعد خروجهم بيوم لم يلزمه أن يتبعهم ، هذا كله إذا خاف في الطريق ، فإن كانت آمنة بحيث لا يخاف الواحد فيها لزمه ، ولا يشترط الرفقة .

التالي السابق


الخدمات العلمية