صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن كانت امرأة ، لم يلزمها إلا أن تأمن على نفسها بزوج أو محرم أو نساء ثقات ، قال في الإملاء : أو امرأة واحدة وروى الكرابيسي عنه إذا كان الطريق آمنا جاز من غير نساء ، وهو الصحيح ، لما روى عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { حتى لتوشك الظعينة أن تخرج منها بغير جوار حتى تطوف بالكعبة . قال عدي : فلقد رأيت الظعينة تخرج من الحيرة حتى تطوف بالكعبة بغير جوار } ولأنها تصير مستطيعة بما ذكرناه ، ولا تصير مستطيعة بغيره )


( الشرح ) حديث عدي هذا صحيح رواه البخاري في صحيحه بمعناه في باب علامات النبوة ، وهذا لفظه عن عدي بن حاتم قال : { بينما أنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة ، ثم أتى إليه آخر فشكا قطع السبيل فقال يا عدي ، هل رأيت الحيرة ؟ قلت : لم أرها ، وقد أنبئت عنها ، قال : فإن طالت بك الحياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله تعالى - } ، قال عدي : فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله " هذا اللفظ رواية البخاري مختصرا ، وهو بعض من حديث طويل . ( وأما ) قوله : من غير جوار - فبكسر الجيم - ومعناه بغير أمان وذمة والحيرة - بكسر الحاء المهملة - وهي مدينة عند الكوفة ، والظعينة المرأة ، ويوشك بكسر الشين - أي يدنو ، وفي هذا الحديث معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم . [ ص: 69 ] أما حكم المسألة فقال الشافعي والأصحاب - رحمهم الله - تعالى - : لا يلزم المرأة الحج إلا إذا أمنت على نفسها بزوج أو محرم نسب ، أو غير نسب ، أو نسوة ثقات ، فأي هذه الثلاثة وجد لزمها الحج بلا خلاف ، وإن لم يكن شيء من الثلاثة لم يلزمها الحج على المذهب سواء وجدت امرأة واحدة أم لا ( وقول ثالث ) أنه يجب أن تخرج للحج وحدها إذا كان الطريق مسلوكا كما يلزمها إذا أسلمت في دار الحرب الخروج إلى دار الإسلام وحدها بلا خلاف ، وهذا القول اختيار المصنف وطائفة ، والمذهب عند الجمهور ما سبق ، وهو المشهور من نصوص الشافعي .

( والجواب ) عن حديث عدي بن حاتم أنه إخبار عما سيقع ، وذلك محمول على الجواز ; لأن الحج يجب بذلك ، والجواب عن الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام أن الخوف في دار الحرب أكثر من الخوف في الطريق ، وإذا خرجت مع نسوة ثقات فهل يشترط لوجوب الحج أن يكون مع واحدة منهن محرم لها ؟ أو زوج ؟ فيه وجهان : ( أصحهما ) لا يشترط ; لأن الأطماع تنقطع بجماعتهن ( والثاني ) يشترط ، فإن فقد لم يجب الحج ، قال القفال : لأنه قد ينوبهن أمر يحتاج إلى الرجل ، وقطع العراقيون وكثير من الخراسانيين بأنه لا يشترط ، ونقله المتولي عن عامة أصحابه سوى القفال قال إمام الحرمين : ولم يشترط أحد من أصحابنا أن يكون مع كل واحدة منهن محرم أو زوج ، قال : يقصد بما قاله القفال حكم الخلوة ، فإنه كما يحرم على الرجل أن يخلو بامرأة واحدة كذلك يحرم عليه أن يخلو بنسوة ، ولو خلا رجل بنسوة وهو محرم إحداهن جاز ، وكذلك إذا خلت امرأة برجال وأحدهم محرم لها جاز ، ولو خلا عشرون رجلا بعشرين امرأة وإحداهن محرم لأحدهم جاز ، قال : وقد نص الشافعي على أنه لا يجوز للرجل أن يصلي بنساء مفردات إلا أن تكون إحداهن محرما له ، هذا كلام إمام الحرمين هنا ، وحكى صاحب العدة عن القفال في الخلوة مثل ما ذكره إمام الحرمين بحروفه ، وحكى فيه نص الشافعي في تحريم خلوة بنسوة منفردا بهن ، هذا الذي ذكره الإمام وصاحب العدة ، والمشهور هو جواز [ ص: 70 ] خلوة رجل بنسوة لا محرم له فيهن لعدم المفسدة غالبا ; لأن النساء يستحيين من بعضهن بعضا في ذلك وقد سبقت هذه المسألة في باب صفة الأئمة .

( فرع ) هل يجوز للمرأة أن تسافر لحج التطوع ؟ أو لسفر زيارة وتجارة ونحوهما مع نسوة ثقات ؟ أو امرأة ثقة ؟ فيه وجهان وحكاهما الشيخ أبو حامد والماوردي والمحاملي وآخرون من الأصحاب في باب الإحصار ، وحكاهما القاضي حسين والبغوي والرافعي وغيرهم ( أحدهما ) يجوز كالحج ( والثاني ) وهو الصحيح باتفاقهم وهو المنصوص في الأم ، وكذا نقلوه عن النص : لا يجوز ; لأنه سفر ليس بواجب ، هكذا علله البغوي . ويستدل للتحريم أيضا بحديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا تسافر امرأة ثلاثا إلا ومعها محرم } رواه البخاري ومسلم وفي رواية لمسلم : { لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة ثلاث ليال إلا ومعها ذو محرم } وعن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { لا تسافر امرأة إلا مع محرم فقال رجل : يا رسول الله إني أريد أن أخرج في جيش كذا وكذا ، وامرأتي تريد الحج قال : اخرج معها } رواه البخاري ومسلم وعن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا تسافر امرأة يومين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم } رواه البخاري ومسلم .

وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يوما وليلة ليس معها ذو حرمة } رواه البخاري ومسلم ، وفي رواية لمسلم { مسيرة يوم } وفي رواية له { مسيرة ليلة } وسأعيد هذه المسألة بأبسط من هذا مع ذكر مذاهب العلماء فيها في آخر باب الفوات والإحصار إن شاء الله - تعالى - .

( فرع ) يجب الحج على الخنثى المشكل البالغ ، ويشترط في حقه من المحرم ما شرط في المرأة ، فإن كان معه نسوة من محارمه كأخواته جاز ، وإن كن أجنبيات فلا ; لأنه يحرم عليه الخلوة بهن ، ذكره القاضي أبو الفتح وصاحب البيان وغيرهما .

[ ص: 71 ] فرع ) اتفق أصحابنا على أن المرأة إذا أسلمت في دار الحرب لزمها الخروج إلى دار الإسلام وحدها من غير اشتراط نسوة ، ولا امرأة واحدة قال أصحابنا : وسواء كان طريقها مسلوكا أو غير مسلوك ; لأن خوفها على نفسها ودينها بالمقام فيهم أكثر من خوف الطريق ، وإن خافت في الطريق سبعا لم يجب سلوكه ، هكذا ذكر هذه المسألة بتفصيلها هنا القاضي حسين والمتولي وغيرهما وذكرها الأصحاب في كتاب السير .

التالي السابق


الخدمات العلمية