صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن كان من مكة على مسافة تقصر فيها الصلاة ولم يجد راحلة نظرت - فإن كان قادرا على المشي - وجب عليه ; لأنه يمكنه الحج من غير مشقة شديدة ، وإن كان زمنا لا يقدر على المشي ويقدر على الحبو ، لم يلزمه ; لأن المشقة في الحبو في المسافة القريبة أكثر من المشقة في المسافة البعيدة في السير ، وإن كان من أهل مكة وقدر على المشي إلى مواضع النسك من غير خوف وجب عليه ; لأنه يصير مستطيعا بذلك )


( الشرح ) قال أصحابنا : من كان في مكة أو كانت داره من مكة على مسافة لا تقصر فيها الصلاة ، فإن كان قويا على المشي لزمه الحج ، ولا يشترط وجود الراحلة ; لأنه ليس في المشي في هذه الحالة مشقة كثيرة ، وإن كان ضعيفا لا يقوى على المشي أو يناله به ضرر ظاهر اشترطت الراحلة لوجوب الحج عليه ، وكذا المحمل إن لم يمكنه الركوب ، ولا يلزمه الزحف والحبو ، هكذا قطع به المصنف والجماهير ، وحكى الدارمي وجها أنه يلزمه الحبو ، حكاه عن حكاية ابن القطان وهو شاذ أو غلط ، وحكى الرافعي أن القريب من مكة كالبعيد فلا يلزمه الحج إلا بوجود الراحلة ، وهو ضعيف أو غلط ، واتفق جمهور أصحابنا على اشتراط وجود الزاد لوجوب الحج على هذا القريب ، فإن لم يمكنه فلا حج عليه ; لأن الزاد لا يستغنى عنه بخلاف الراحلة ، وحكى القاضي حسين في تعليقه وجها أنه لا يشترط لوجوب الحج على هذا القريب وجود الزاد ، والصواب المشهور اشتراطه . [ ص: 73 ] لكن قال الماوردي والقاضي حسين وصاحب البيان وآخرون في اعتبار زاده كلاما حسنا ، قالوا : إن عدم الزاد ، وكان له صنعة يكتسب بها كفايته وكفاية عياله ، ويفضل له مؤنة حجة ، لزمه الحج ، وإن لم يكن له صنعة ، أو كانت بحيث لا يفضل منها شيء عن كفايته وكفاية عياله ، وإذا اشتغل بالحج أضر بعياله لم يجب عليه الحج قال الماوردي : ومقامه على عياله في هذه الحالة أفضل ، والله أعلم . واعلم أن المصنف جعل القريب الذي لا يشترط لوجوب الحج عليه الراحلة إذا أطاق المشي هو من كان دون مسافة القصر من مكة ، ولم يقل من الحرم ، وهكذا صرح باعتباره من مكة شيخه القاضي أبو الطيب في المجرد ، والدارمي والقاضي حسين وصاحب الشامل والبغوي والمتولي وصاحبا العدة والبيان ، والرافعي وآخرون ، وضبطه آخرون بالحرم ، فقالوا : القريب من بينه وبين الحرم مسافة لا تقصر فيها الصلاة ممن صرح بهذا الماوردي والمحاملي والجرجاني وغيرهم وهذا الخلاف نحو الخلاف في حاضر المسجد ، وهو من كان دون مسافة القصر ، وهل يعتبر من مكة أم من الحرم ؟ وسنوضحهما في موضعهما إن شاء الله لكن الأشهر هنا اعتبار مكة وهناك اعتبار الحرم وبهذا قطع المصنف والجمهور والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية