صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( ويجب دم التمتع بالإحرام بالحج لقوله تعالى : { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } ولأن شرائط الدم إنما توجد بوجود الإحرام بالحج ، فوجب أن يتعلق الوجوب به ، وفي وقت جوازه قولان : ( أحدهما ) لا يجوز قبل أن يحرم بالحج ، لأن الذبح قربة تتعلق بالبدن فلا يجوز قبل وجوبها كالصوم والصلاة ، ( والثاني ) يجوز بعد الفراغ من العمرة ، لأنه حق مال يجب بسببين ، فجاز تقديمه إلى أحدهما كالزكاة بعد ملك النصاب ) .


( الشرح ) قوله : يتعلق بالبدن احتراز من الزكاة ، ( وقوله ) حق مال احتراز من الصلاة والصوم ، ( وقوله ) يجب بسببين احتراز من مال يجب بسبب واحد ككفارة الجماع في نهار رمضان وغيرها مما قدمنا بيانه في آخر باب تعجيل الزكاة . أما حكم المسألة فقد سبق أن دم التمتع واجب بإجماع المسلمين ، ووقت وجوبه عندنا الإحرام بالحج بلا خلاف ، ( وأما ) وقت جوازه فقال أصحابنا : لا يجوز قبل الشروع في العمرة بلا خلاف ; لأنه لم يوجد له سبب ، ويجوز بعد الإحرام بلا خلاف ولا يتوقف بوقت كسائر دماء الجبران ; لأن الأفضل ذبحه يوم النحر ، وهل تجوز إراقته بعد التحلل من [ ص: 184 ] العمرة وقبل الإحرام بالحج ؟ فيه قولان مشهوران ، وحكاهما جماعة وجهين ، والمشهور قولان ، وذكرهما المصنف بدليلهما : ( أصحهما ) الجواز ، فعلى هذا هل يجوز قبل التحلل من العمرة ؟ فيه طريقان : ( أحدهما ) لا يجوز قطعا ، وهو مقتضى كلام المصنف وكثيرين ، ونقله صاحب البيان عن أصحابنا العراقيين ، ونقل الماوردي اتفاق الأصحاب عليه ، ( والثاني ) فيه وجهان : ( أصحهما ) لا يجوز ، ( والثاني ) يجوز لوجود بعض السبب ، حكاه أصحابنا الخراسانيون وصاحب البيان ، فالحاصل في وقت جوازه ثلاثة أوجه أحدها بعد الإحرام بالعمرة ، ( وأصحها ) بعد فراغها ، ( والثالث ) بعد الإحرام بالحج .

( فرع ) في مذاهب العلماء في وقت وجوب دم التمتع . ذكرنا أن مذهبنا وجوبه بالإحرام بالحج ، وبه قال أبو حنيفة وداود ، وقال عطاء : لا يجب حتى يقف بعرفات وقال مالك : لا يجب حتى يرمي جمرة العقبة ، ( وأما ) جوازه فذكرنا أنه يجوز عندنا بعد الإحرام بالحج بلا خلاف ، وفيما قبله خلاف . وقال مالك وأبو حنيفة : لا يجوز قبل يوم النحر ، واستدل أصحابنا بقوله - تعالى - : { فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي } ومعناه فعليه ما استيسر ، وبمجرد الإحرام يسمى متمتعا فوجب الدم حينئذ ، ولأن ما جعل غاية تعلق الحكم بأوله كقوله - تعالى - : { ثم أتموا الصيام إلى الليل } ولأن شروط التمتع وجدت موجب الدم والله أعلم .

قال العلماء : قوله تعالى : { فمن تمتع بالعمرة } أي بسبب العمرة ; لأنه إنما يتمتع بمحظورات الإحرام بين الحج والعمرة ، بسبب العمرة ، قالوا : والتمتع هنا التلذذ والانتفاع ، يقال : تمتع به أي أصاب منه وتلذذ به ، والمتاع كل شيء ينتفع به والله أعلم . واحتج به مالك وأبو حنيفة في أن دم التمتع لا يجوز قبل يوم النحر بالقياس على الأضحية . واحتج أصحابنا عليهما بالآية الكريمة ، ولأنهما وافقا على جواز صوم التمتع قبل [ ص: 185 ] يوم النحر ، أعني صوم الأيام الثلاثة ، فالهدي أولى ، ولأنه دم جبران فجاز بعد وجوبه وقبل يوم النحر ، كدم فدية الطيب واللباس وغيرهما ، ويخالف الأضحية لأنه منصوص على وقتها والله أعلم .

( فرع ) قال أصحابنا : دم التمتع شاة صفتها صفة الأضحية ، قال أصحابنا : ويقوم مقامها سبع بدنة أو سبع بقرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية