صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( ويجب على القارن دم لأنه روي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم ، ولأنه إذا وجب على المتمتع ، لأنه جمع بين النسكين في وقت أحدهما فلأن يجب على القارن وقد جمع بينهما في الإحرام أولى ، وإن لم يجد الهدي فعليه صوم التمتع ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع على ما بيناه ) .


( الشرح ) قال الشافعي والأصحاب : يلزم القارن دم بلا خلاف ، لما ذكره المصنف فإن لم يجد الهدي فعليه صوم التمتع كما سبق تفصيله وتفريعه وهذا الدم شاة كدم التمتع كما سبق . هكذا ذكره الشافعي والأصحاب في جميع الطرق إلا الحناطي والرافعي فحكيا قولا قديما أنه بدنة ، وهو مذهب الشافعي . وقال طاوس وحكاه العبدري عن الحسن بن علي وابن سريج وهو مذهب داود وابنه أبي بكر محمد بن داود : لا دم عليه ، وبالشاة قال مالك وأبو حنيفة وجمهور العلماء ، قال العبدري : هو قول العلماء كافة سوى من ذكرنا . وقال الشافعي في المختصر : القارن أخف حالا من المتمتع ، قال أصحابنا : يحتمل أنه أراد بهذا الرد على الشعبي لأن القارن أحرم بالنسكين . من الميقات بخلاف المتمتع فإذا كفى المتمتع شاة فالقارن أولى ، قالوا : ويحتمل أنه رد على طاوس لأن القارن أقل فعلا من المتمتع ، فإذا لزم المتمتع الدم ، فالقارن أولى ، وهذان التأويلان مشهوران ذكرهما القاضي أبو الطيب في كتابيه ، والماوردي والمحاملي وابن الصباغ وسائر شراح المختصر ، قال الماوردي : التأويل الأول هو نصه في القديم والثاني هو نصه في الجديد .

[ ص: 193 ] فرع ) قال الشافعي في المختصر : فإن مات المتمتع قبل أن يصوم تصدق عما فاته صومه عن كل يوم بمد من حنطة ، هذا نصه ، وقال في الأم إذا أحرم المتمتع بالحج لزمه الهدي ، فإن لم يجد فعليه الصيام ، فإن مات من ساعته ففيه قولان : ( أحدهما ) يهدى عنه ، ( والثاني ) لا هدي ولا طعام . هذا نصه في الأم ، قال أصحابنا في شرح هذه المسألة : إذا مات المتمتع بعد فراغه من الحج - وهو واجد للهدي ، ولم يكن أخرجه وجب إخراجه من تركته بلا خلاف كسائر الديون المستقرة ، وإن مات في أثناء الحج فقولان مشهوران : ( أصحهما ) لا يسقط الدم ; لأنه وجب بالإحرام بالحج فلا يسقط ، فيجب إخراجه من تركته ، كما لو مات وعليه دم الوطء في الإحرام أو دم اللباس وغيره ، ( والثاني ) يسقط لأنه إنما يجب بالتمتع لتحصيل الحج ، ولم يحصل الحج بتمامه . هكذا أطلق الجمهور صورة القولين فيما إذا مات قبل فراغ الحج وهو موسر ، وذكرهما الماوردي فيمن مات قبل فراغ أركان الحج إشارة إلى أنه لو مات بعد فراغ الأركان ، وقد بقي الرمي والمبيت لزم الدم قولا واحدا ، وهذا هو الصواب ، وكلام الأصحاب محمول عليه ، لأن الحج قد حصل . هذا كله فيمن مات وهو واجد الهدي ، فإن مات معسرا فقد مات وفرضه الصوم قال أصحابنا : فإن مات قبل تمكنه منه فقولان : ( أصحهما ) يسقط لعدم التمكن كصوم رمضان ، ( والثاني ) يهدى عنه ، قال أصحابنا : وهذا القول يتصور فيما إذا لم يجد الهدي في موضعه ، وله في بلده مال أو وجده بأكثر من ثمن مثله ، فأما إذا لم يكن له مال أصلا ولم يتمكن من الصوم ، فيسقط عنه قطعا ، وإن تمكن من الصوم فلم يصم حتى مات ، فهل هو كصوم رمضان ؟ فيه طريقان : ( أصحهما ) نعم فيصوم عنه وليه على القول القديم ، وفي الجديد يطعم عنهن من تركته لكل يوم مد ، فإن كان تمكن من الأيام العشرة وجب عشرة أمداد ، وإلا فبالقسط ، وهل يتعين صرفه إلى فقراء الحرم ومساكينه ؟ فيه قولان حكاهما الماوردي وآخرون [ ص: 194 ] أحدهما ) يتعينون ، فإن فرقت على غيرهم لم يجز ; لأنه مال وجب بالإحرام فتعين لأهل الحرم كالدم ، ( وأصحهما ) لا يتعينون ، بل يستحب صرفه إليهم فإن صرف إلى غيرهم جاز ، لأن هذا الإطعام بدل عن الصوم الذي لا يختص بالحرم فكذا بدله .

( والطريق الثاني ) لا يكون كصوم رمضان ، فعلى هذا فيه قولان : ( أصحهما ) الرجوع إلى الدم لأنه أقرب إلى هذا الصوم من الأمداد ، فيجب في ثلاثة أيام إلى العشرة شاة ، وفي يوم ثلث شاة ، وفي يومين ثلثاها ، وأشار أبو إسحاق المروزي إلى أن اليوم واليومين كإتلاف المحرم شعرة أو شعرتين وفي الشعرة ثلاثة أقوال مشهورة : ( أحدها ) مد ، ( والثاني ) درهم ، ( والثالث ) ثلث شاة ، وغلط أصحابنا أبا إسحاق في هذا ، ونقل تغليطه عن الأصحاب صاحب الشامل وغيرهم ، ( والقول الثاني ) لا يجب شيء أصلا ، وأما المتمكن المذكور فصوم الثلاثة يتمكن منه بأن يحرم بالحج في زمن يسع صومها قبل الفراغ . ولا يكون عارض من مرض وغيره وذكره إمام الحرمين أنه لا يجب شيء في تركته ما لم ينته إلى الوطن ; لأن دوام السفر كدوام المرض ولا يزيد تأكيد الثلاثة على صوم رمضان . وهذا الذي قاله ضعيف ، لأن صوم الثلاثة يجب إيقاعه في الحج . بالنص ، وإن كان مسافرا فليس السفر عذرا فيه بخلاف رمضان ( وأما ) السبعة ، ( فإن قلنا ) : الرجوع إلى ، الوطن فلا يمكن قبله ، ( وإن قلنا ) : الفراغ من الحج فلا يمكن قبله ثم دوام السفر عذر ، هكذا قاله الإمام ، وقال القاضي حسين : إذا استحببنا التأخير إلى وصوله الوطن تفريعا على قول الفراغ فهل يهدى عنه إذا مات ؟ فيه وجهان .

( فرع ) في مذاهب العلماء في متمتع لم يجد الهدي فانتقل إلى الصوم قد ذكرنا أن مذهبنا أنه لا يجوز أن يصوم إلا بعد إحرامه بالحج ، وبه قال مالك وروي عن ابن عمر وعائشة وإسحاق وابن المنذر ( وقال ) [ ص: 195 ] أبو حنيفة يجوز في حال العمرة وعن أحمد روايتان كالمذهبين . دليلنا ما ذكره المصنف .

( فرع ) لو فاته صوم الأيام الثلاثة في الحج لزمه قضاؤها ولا دم عليه هذا مذهبنا المشهور وبه قال مالك . وقال أبو حنيفة : عليه دمان أحدهما للتمتع والثاني لتأخير الصوم . وعن أحمد ثلاث روايات : ( أصحها ) كأبي حنيفة ، ( والثانية ) دم واحد ، ( والثالثة ) يفرق بين المعذور وغيره . دليلنا أنه صوم واجب مؤقت ، فإذا فات وجب قضاه كرمضان لا غير ، ( وأما ) صوم السبعة فقد ذكرنا أن الصحيح عندنا أنه يصومها إذا رجع إلى أهله وبه قال ابن عمر وعطاء ومجاهد وقتادة وابن المنذر ، ( والثاني ) يصومها إذا تحلل من حجه . وهو قول مالك وأبي حنيفة وأحمد والله أعلم .

قال ابن المنذر : وأجمعوا على أن من وجد الهدي لا يحرم عليه الصوم ، والله أعلم . .

التالي السابق


الخدمات العلمية