صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( ومن كان داره دون الميقات فميقاته موضعه . ومن جاوز الميقات قاصدا إلى موضع قبل مكة ثم أراد النسك أحرم من موضعه ، كما إذا دخل مكة لحاجة ثم أراد الإحرام كان ميقاته من مكة ) .


( الشرح ) من كان مسكنه بين ، مكة والميقات فميقاته موضعه بلا خلاف ، لحديث ابن عباس السابق في أول الباب ، وقد سبقت هذه المسألة قال أصحابنا : فإذا كان في قرية بين ، مكة والميقات فالأفضل أن يحرم من الطرف الأبعد منها إلى مكة فإن أحرم من الطرف الأدنى إلى مكة جاز ولا دم عليه بلا خلاف كما سبق في المواقيت الخمسة . فإن خرج من قريته وفارق العمران إلى جهة مكة ثم أحرم كان آثما وعليه الدم للإساءة فإن عاد إليها سقط الدم ، وإن كان من أهل خيام استحب أن يحرم من أبعد أطراف الخيام إلى مكة ، ويجوز من الطرف الأدنى إلى مكة ، ولا يجوز أن يفارقها إلى جهة مكة غير محرم . [ ص: 209 ] وإن كان في واد استحب أن يقطع طرفيه محرما ، فإن أحرم من الطرف الأقرب إلى مكة جاز ، فإن كان في برية ساكنا منفردا بين مكة والميقات أحرم من منزله ، لا يفارقه غير محرم ، هكذا ذكر هذا التفصيل كله أصحابنا في الطريقتين ، قال القاضي أبو الطيب في تعليقه : لو كان مسكنه بين مكة والميقات فتركه وقصد الميقات فأحرم منه ، جاز ولا دم عليه ، كالمكي إذا لم يحرم من مكة ، بل خرج إلى ميقات فأحرم منه جاز ولا دم عليه .

( المسألة الثانية ) إذا مر الآفاقي بالميقات غير مريد نسكا - فإن لم يكن قاصدا نحو الحرم ، ثم عن له قصد النسك بعد مجاوزة الميقات - فميقاته حيث عن له هذا القصد ، وإن كان قاصدا الحرم لحاجة فعن له النسك بعد المجاوزة ، ( فإن قلنا ) : من أراد الحرم لحاجة يلزمه الإحرام ، فهذا يأثم بمجاوزته غير محرم ، وهو كمن قصد النسك وجاوزه غير محرم ، وسنذكره إن شاء الله - تعالى - . وإن قلنا بالأصح : إنه لا يلزمه فهو كمن جاوزه غير قاصد دخول الحرم .

( فرع ) في مذاهب العلماء في هذه المسألة : قد ذكرنا أن مذهبنا أن من مسكنه بين مكة والميقات فميقاته موضعه ، وبه قال طاوس ومالك وأبو حنيفة وأحمد وأبو ثور والجمهور . وقال مجاهد : يحرم من مكة . ودليلنا حديث ابن عباس السابق ( أما ) إذا جاوز الميقات غير مريد نسكا ثم أراده فقد ذكرنا أن مذهبنا أنه يحرم من موضعه ، وبه قال ابن عمر وعطاء ومالك والثوري وأبو يوسف ومحمد وأبو ثور وابن المنذر . وقال أحمد وإسحاق : يلزمه العود إلى الميقات .

( فرع ) حكى الشافعي وابن المنذر عن ابن عمر أنه أحرم من الفرع - بضم الفاء وإسكان الراء - وهو بلاد بين مكة والمدينة ، بين ذي الحليفة وبين مكة ، فتكون دون ميقات المدني ، وابن عمر مدني وهذا [ ص: 210 ] ثابت عن ابن عمر رواه مالك في الموطأ بإسناده الصحيح ، وتأوله الشافعي وأصحابنا تأويلين : ( أحدهما ) أن يكون خرج من المدينة إلى الفرع لحاجة ولم يقصد مكة ، ثم أراد النسك فإن ميقاته مكانه ، ( والثاني ) أنه كان بمكة فرجع قاصدا إلى المدينة فلما بلغ الفرع بدا له أن يرجع إلى مكة فميقاته مكانه .

التالي السابق


الخدمات العلمية