صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وله أن يعين ما يحرم به من الحج أو العمرة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أهل بالحج ، فإن أهل بنسك ونوى غيره انعقد ما نواه ; لأن [ ص: 238 ] النية بالقلب وله أن يحرم إحراما مبهما ، لما روى { أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : كيف أهللت ؟ قال : قلت : لبيك بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أحسنت } وفي الأفضل قولان : ( قال في الأم ) التعيين أفضل ; لأنه إذا عين عرف ما دخل فيه ( والثاني ) أن الإبهام أفضل ; لأنه أحوط ، فإنه ربما عرض مرض أو إحصار فيصرفه إلى ما هو أسهل عليه . وإن عين انعقد ما عينه ، والأفضل أن لا يذكر ما أحرم به في تلبيته على المنصوص ، لما روى نافع قال : سئل ابن عمر أيسمي أحدنا حجا أو عمرة ؟ فقال : أتنبئون الله بما في قلوبكم ، إنما هي نية أحدكم ، ومن أصحابنا من قال : الأفضل أن ينطق به ، لما روى أنس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { لبيك بحجة وعمرة } ولأنه إذا نطق به كان أبعد من السهو ، فإن أبهم الإحرام جاز أن يصرفه إلى ما شاء من حج أو عمرة ، لأنه يصلح لهما فصرفه إلى ما شاء منهما ) .


( الشرح ) حديث أبي موسى رواه البخاري ومسلم ، والأثر المذكور عن ابن عمر صحيح رواه البيهقي بإسناد صحيح ( وأما ) حديث أنس وحديث { إحرام النبي صلى الله عليه وسلم بحج } فصحيحان سبق بيانهما في مسألة الإفراد والتمتع والقران ، وذكر الجمع بينهما ( وقد ) ينكر على المصنف احتجاجه بحديث أبي موسى لجواز إطلاق الإحرام ، فإنه ليس فيه إطلاق وإبهام ، وإنما فيه تعليق إحرامه بإحرام غيره . وهي المسألة التي ذكرها المصنف بعد هذه ( ويجاب ) عنه بأنه يحصل به الدلالة لأنه إذا دل بجواز التعليق مع ما فيه من الغرر ، ومخالفة القواعد فالإطلاق أولى والله أعلم .

أما الأحكام ففيه مسائل : ( إحداها ) للإحرام حالان : ( أحدهما ) أن ينعقد معينا بأن ينوي الحج أو العمرة أو كليهما ، فينعقد ما ينوي لقوله صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال ، بالنيات " فلو أحرم بحجتين أو عمرتين انعقدت إحداهما فقط ، ولم تلزمه الأخرى ، وقد سبقت المسألة وذكرنا مذهب أبي حنيفة فيها في الباب الأول ، ( الثاني ) أن ينعقد مطلقا ويسمى المطلق مبهما كما نوى ، ثم ينظر فإن أحرم في أشهر الحج فله صرفه إلى [ ص: 239 ] ما شاء من حج أو عمرة أو قران ، ويكون الصرف بالنية لا باللفظ ، ولا يجزئه العمل قبل النية ، فلو طاف أو سعى لم يعتد به قبل النية ، وإن أحرم قبل الأشهر فإن صرفه إلى العمرة جاز . وإن صرفه إلى الحج بعد دخول الأشهر فوجهان : ( الصحيح ) لا يجوز ، بل انعقد إحرامه عمرة ، ( والثاني ) يجوز صرفه إلى ما شاء من حج أو عمرة أو قران ، وعلى هذا يكون إحرامه قد وقع مطلقا ( أما ) إذا صرفه إلى الحج قبل الأشهر فهو كمن أحرم بالحج قبل الأشهر وقد سبق بيانه .

( المسألة الثانية ) هل الأفضل إطلاق الإحرام أو تعيينه ؟ فيه قولان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما : ( أصحهما ) نصه في الأم أن التعيين أفضل ، ( والثاني ) نصه في الإملاء أن الإطلاق أفضل . فعلى الأول هل يستحب التلفظ في تلبيته بما عينه بأن يقول : لبيك اللهم بحج أو لبيك اللهم بعمرة أو بحج وعمرة ؟ فيه وجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما : ( أصحهما ) لا يستحب ، بل يقتصر على النية والتلبية ، وهذا هو المنصوص كما ذكره المصنف وصححه الأصحاب ، هكذا أطلق الجمهور المسألة ، وقال الشيخ أبو محمد الجويني : هذا الخلاف فيما سوى التلبية الأولى التي عند ابتداء الإحرام ، فيستحب أن يسمي فيها ما أحرم به من حج أو عمرة وجها واحدا ، قال : ولا يجهر بهذه التلبية بل يسمعها نفسه بخلاف ما بعدها ، فإنه يجهر .

( المسألة الثالثة ) إذا نوى بقلبه حجا ولبى بعمرة أو عكسه انعقد ما في قلبه دون لسانه ، وقد سبقت المسألة قريبا بفروعها واضحة .

التالي السابق


الخدمات العلمية