صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( فإن قال : إهلالا كإهلال فلان انعقد إحرامه بما عقد به فلان إحرامه ، فإن مات الرجل الذي علق إهلاله بإهلاله أو جن ولم يعلم ما أهل به ، يلزمه أن يقرن ليسقط ما لزمه بيقين ، فإن بان أن فلانا لم يحرم انعقد إحراما مطلقا فيصرفه إلى ما شاء من حج أو عمرة ; لأنه عقد الإحرام ، وإنما علق عين [ ص: 240 ] النسك على إحرام فلان فإذا سقط إحرام فلان بقي إحرامه مطلقا فيصرفه إلى ما شاء من حج أو عمرة ) .


( الشرح ) قال أصحابنا : إذا أحرم عمرو بما أحرم به زيد جاز بلا خلاف ، لحديث أبي موسى الأشعري السابق ثم لزيد أحوال أربعة : ( أحدها ) أن يكون محرما ويمكن معرفة ما أحرم به ، فينعقد لعمرو مثل إحرامه إن كان حجا فحج ، وإن كان عمرة فعمرة ، وإن كان قرانا فقران ، وإن كان زيد أحرم بعمرة بنية التمتع كان عمرو محرما بعمرة ، ولا يلزمه التمتع ، وإن كان إحرام زيد مطلقا ، انعقد إحرام عمرو مطلقا ، ويتخير كما يتخير زيد ، ولا يلزمه الصرف إلى ما يصرف إليه زيد ، هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور وحكى الرافعي وجها أنه تلزمه موافقته في الصرف ، والصواب الأول قال البغوي : إلا إذا أراد إحراما كإحرام زيد بعد تعيينه فيلزمه ( أما ) إذا كان إحرام زيد فاسدا فوجهان : ( أحدهما ) لا ينعقد إحرام عمرو ; لأن الفاسد لاغ ( وأصحهما ) انعقاده ، قال القاضي أبو الطيب : وهذان الوجهان كالوجهين فيمن نذر صلاة فاسدة ، هل ينعقد نذره بصلاة صحيحة ؟ أم لا ينعقد ؟ والصحيح لا ينعقد نذره ( أما ) إذا كان زيد أحرم مطلقا ، ثم عينه قبل إحرام عمرو فوجهان : ( أصحهما ) ينعقد إحرام عمرو مطلقا ، ( والثاني ) معينا ، وبه قال ابن القفال ويجري الوجهان فيما لو أحرم زيد بعمرة ، ثم أدخل عليها الحج فعلى الأول يكون عمرو معتمرا وعلى الثاني قارنا ( والوجهان ) فيما إذا لم يخطر التشبيه بإحرام زيد في الحال ولا في أوله فإن خطر التشبيه لإحرام زيد في الحال فالاعتبار بما خطر بلا خلاف . ولو أخبره زيد بما أحرم به ووقع في نفسه خلافه فهل يعمل بخبره ؟ أم بما وقع في نفسه ؟ فيه وجهان حكاهما الدارمي ( أقيسهما ) بخبره .

ولو قال له : أحرمت بالعمرة فعمل بقوله فبان أنه كان محرما بالحج ، [ ص: 241 ] فقد بان أن إحرام عمرو كان منعقدا بحج ، فإن فات الوقت تحلل وأراق دما ، وهل الدم في ماله أم في مال زيد ؟ فيه وجهان : ( الأصح ) في ماله . ممن حكى الوجهين الدارمي والرافعي ، ( والحال الثاني ) أن لا يكون زيد محرما أصلا - فينظر إن كان عمرو جاهلا به - انعقد إحرامه مطلقا ; لأنه جزم بالإحرام ، وإن كان عمرو عالما بأنه غير محرم بأن علم موته فطريقان : ( المذهب ) والمنصوص الذي قطع به الجمهور انعقاد إحرام عمرو مطلقا ، ( والثاني ) على وجهين : ( أصحهما ) هذا ( والثاني ) لا ينعقد أصلا حكاه الدارمي عن ابن القفال وحكاه آخرون ، كما لو قال : إن كان زيد محرما فقد أحرمت فلم يكن محرما ، ( والصواب ) الأول . ويخالف قوله : إن كان زيد محرما فإنه تعليق لأصل الإحرام فلهذا يقول : إن كان زيد محرما ، فهذا المعلق وإلا فلا ، ( وأما ) ههنا فأصل الإحرام مجزوم به . قال الرافعي : واحتجوا للمذهب بصورتين نص عليهما في الأم : ( إحداهما ) لو استأجره رجلان ليحج عنهما ، فأحرم عنهما لم ينعقد عن واحد منهما ، وانعقد عن الأجير ; لأن الجمع بينهما متعذر فلغت الإضافة ، وسواء كانت الإجارة في الذمة أم العين ; لأنه - وإن كان إحدى إجارتي العين فاسدة - إلا أن الإحرام عن غيره لا يتوقف على صحة الإجارة : ( الصورة الثانية ) لو استأجر رجلا ليحج عنه فأحرم عن نفسه وعن المستأجر لغت الإضافتان ، وبقي الإحرام للأجير ، فلما لغت الإضافة في الصورتين وبقي أصل الإحرام جاز أن يلغوها التشبيه ، ويبقى أصل الإحرام .

( الحال الثالث ) أن يكون زيد محرما ، وتتعذر مراجعته لجنون أو موت أو غيبة ، ولهذه المسألة مقدمة وهي إن أحرم بأحد النسكين ثم نسيه ، ( قال ) في القديم : أحب أن يقرن ، وإن تحرى رجوت أن يجزئه ، وقال في الجديد : هو قارن ، وللأصحاب فيه طريقان : ( أحدهما ) القطع بجواز التحري ، وتأويل الجديد على ما إذا شك هل أحرم بأحد النسكين ؟ أم [ ص: 242 ] قرن ؟ ( وأصحهما ) وبه قطع الجمهور أن المسألة على ( قولين ) : القديم جواز التحري ، ويعمل بظنه ، والجديد لا يجوز التحري ، بل يتعين أن يصير نفسه قارنا كما سنوضحه إن شاء الله - تعالى - . فإذا تعذر معرفة إحرام زيد فطريقان : ( أحدهما ) يكون عمرو كمن نسي ما أحرم به ، وفيه الطريقان ، وبهذا الطريق قطع الدارمي ( والطريق الثاني ) وهو المذهب ، وبه قطع الجمهور من العراقيين وغيرهم ، لا يتحرى بحال ، بل يلزمه القران ، وحكوه عن نصه في القديم ، وليس في الجديد ما يخالفه ، والفرق أن الشك في مسألة النسيان وقع عن فعله ، فلا سبيل إلى التحري بخلاف إحرام زيد .

( فرع ) هذا الذي ذكرناه من الأحوال الثلاثة لزيد هو فيما إذا أحرم عمرو في الحال بإحرام كإحرام زيد ، أما إذا علق إحرامه فقال : إذا أحرم زيد فأنا محرم فلا يصح إحرامه ، كما لو قال : إذا جاء رأس الشهر فأنا محرم ، هكذا نقله البغوي وآخرون ، وذكره ابن القطان والدارمي والشاشي في المعتمد في صحة الإحرام المعلق بطلوع الشمس ونحوه وجهين ، قال ابن القطان والدارمي : ( أصحهما ) لا ينعقد ، قال الرافعي : وقياس تجويز تعليق أصل الإحرام بإحرام الغير تجويز هذا لأن التعليق موجود في الحالين إلا أن هذا تعليق بمستقبل ، وذاك تعليق بحاضر ، وما يقبل التعليق من العقود يقبلها جميعا والله أعلم .

قال الروياني في البحر : لو قال : أحرمت كإحرام زيد وعمرو فإن كانا محرمين بنسك متفق كان كأحدهما ، وإن كان أحدهما بعمرة والآخر بحج كان هذا المعلق قارنا . وكذا إن كان أحدهما قارنا ، قال : فلو قال كإحرام زيد الكافر ، وكان الكافر قد أتى بصورة إحرام ، فهل ينعقد له ما أحرم به الكافر ؟ أم ينعقد مطلقا ؟ فيه وجهان ، وهذا الذي حكاه ضعيف أو غلط ، بل الصواب انعقاده مطلقا ، قال الروياني : قال أصحابنا : لو قال : [ ص: 243 ] أحرمت يوما أو يومين انعقد مطلقا كالطلاق ولو قال : أحرمت بنصف نسك انعقد بنسك كالطلاق ، وفيما نقله نظر ، وينبغي أن لا ينعقد ; لأنه من باب العبادات والنية الجارية الكاملة شرط فيها بخلاف الطلاق ، فإنه مبني على الغلبة والسراية ، ويقبل الإخطار ويدخله التعليق ، والله أعلم .

( فرع ) إذا أحرم عمرو كإحرام زيد فأحصر زيد وتحلل ، لم يجز لعمرو أن يتحلل بمجرد ذلك ، بل إن وجد عمرو في إحصار أو غيره مما يبيح له التحلل تحلل ، وإلا فلا ، ولو ارتكب زيد محظورا في إحرامه فلا شيء على عمرو بذلك .

( فرع ) إذا أحرم بحج أو عمرة وقال في نيته : إن شاء الله ، قال الدارمي : قال القاضي أبو حامد : ينعقد إحرامه ، هذا نقل الدارمي ، والصواب أن الحكم فيه كما سبق في كتاب الصوم فيمن نوى الصوم وقال : إن شاء الله ، وقد ذكر القاضي أبو الطيب في تعليقه المسألة هنا فقال : لو قال : أنا محرم إن شاء الله ، قال القاضي أبو حامد : ينعقد إحرامه في الحال ، ولا يؤثر فيه الاستثناء ، قال : فقيل له : أليس لو قال لعبده : أنت حر إن شاء الله صح استثناؤه فيه ؟ فقال : الفرق أن الاستثناء يؤثر في النطق ولا يؤثر في النيات ، والعتق ينعقد بالنطق ، ولذلك أثر الاستثناء فيه ، والإحرام ينعقد بالنية فلم يؤثر الاستثناء فيه ، فقيل له : أليس لو قال لزوجته : أنت خلية إن شاء الله ونوى الطلاق أثر الاستثناء فيه ؟ فقال : الفرق أن الكناية مع النية في الطلاق كالصريح ، فلهذا صح الاستثناء فيه ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية