صفحة جزء
[ ص: 286 ] قال المصنف رحمه الله تعالى ( والطيب كل ما يتطيب به ويتخذ منه الطيب كالمسك والكافور والعنبر والصندل والورد والياسمين والورس والزعفران وفي الريحان الفارسي والمرزنجوش واللينوفر والنرجس قولان : ( أحدهما ) يجوز شمها لما روى عثمان رضي الله عنه " أنه سئل عن المحرم يدخل البستان ؟ فقال : نعم ويشم الريحان " ; ولأن هذه الأشياء لها رائحة إذا كانت رطبة فإذا جفت لم يكن لها رائحة ( والثاني ) لا يجوز ; لأنه يراد للرائحة فهو كالورد والزعفران ( وأما ) البنفسج فقد قال الشافعي : ليس هو بطيب فمن أصحابنا من قال : هو طيب قولا واحدا ; لأنه تشم رائحته ويتخذ منه الدهن فهو كالورد وتأول قول الشافعي على المربب بالسكر ومنهم من قال : ليس هو بطيب قولا واحدا ; لأنه يراد للتداوي ولا يتخذ من يابسه طيب ومنهم من قال : هو كالنرجس والريحان وفيه قولان ; لأنه يشم رطبه ولا يتخذ من يابسه طيب .

( وأما ) الأترج فليس بطيب [ لأنه يراد للأكل فهو كالتفاح والسفرجل وأما العصفر فليس بطيب ] لقوله صلى الله عليه وسلم : { وليلبسن ما أحببن من المعصفر } ; لأنه يراد للون فهو كاللون والحناء ليس بطيب لما روي { أن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم كن يختضبن بالحناء وهن محرمات } ولأنه يراد للون فهو كالعصفر ولا يجوز أن يستعمل الأدهان المطيبة كدهن الورد والزنبق ودهن البان المنشوش وتجب بها الفدية ; لأنه يراد للرائحة ( وأما ) غير المطيب كالزيت والشيرج والبان غير المنشوش فإنه يجوز استعمالها في غير الرأس واللحية ; لأنه ليس فيه طيب ولا تزيين ولا يحرم استعمالها في شعر اللحية ; لأنه يرجل الشعر ويزينه وتجب به الفدية فإن استعمله في رأسه وهو أصلع جاز ; لأنه ليس فيه تزيين وإن استعمله في رأسه وهو محلوق لم يجز ; لأنه يحسن الشعر إذا نبت ويجوز أن يجلس عند العطار وفي موضع يبخر ; لأن في المنع من ذلك مشقة ولأن ذلك ليس بتطيب مقصود والمستحب أن يتوقى ذلك إلا أن [ ص: 287 ] يكون في موضع قربة كالجلوس عند الكعبة وهي تجمر فلا يكره ذلك ; لأن الجلوس عندها قربة فلا يستحب تركها لأمر مباح وله أن يحمل الطيب في خرقة أو قارورة والمسك في نافجة ولا فدية عليه ; لأن دونه حائلا وإن مس طيبا فعبقت به رائحته ففيه قولان : ( أحدهما ) لا فدية عليه ; لأنه رائحة من مجاورة فلم يكن لها حكم كالماء إذا تغيرت رائحته بجيفة بقربه ( والثاني ) يجب ; لأن المقصود من الطيب هو الرائحة وقد حصل ذلك وإن كان عليه طيب فأراد غسله فالمستحب أن يولي غيره غسله حتى لا يباشره بيده فإن غسله بنفسه جاز ; لأن غسله ترك له فلا يتعلق به تحريم كما لو دخل دار غيره بغير إذنه فأراد أن يخرج وإن حصل عليه طيب ولا يقدر على إزالته بغير الماء وهو محدث ومعه من الماء ما لا يكفي الطيب والوضوء غسل به الطيب ; لأن الوضوء له بدل وغسل الطيب لا بدل له وإن كان عليه نجاسة استعمل الماء في إزالة النجاسة ; لأن النجاسة تمنع صحة الصلاة والطيب لا يمنع صحة الحج ) .


( الشرح ) أما حديث { وليلبسن ما أحببن } فسبق بيانه قريبا في فصل تحريم اللباس ( وأما ) الأثر المذكور عن عثمان فغريب وصح عن ابن عباس معناه فذكر البخاري في صحيحه عن ابن عباس معناه تعليقا بغير إسناد أنه قال : " يشم المحرم الريحان ويتداوى بأكل الزيت والسمن " وروى البيهقي بإسناده الصحيح المتصل عن ابن عباس أيضا أنه كان لا يرى بأسا للمحرم بشم الريحان وروى البيهقي عكسه عن ابن عمر وجابر فروى بإسنادين صحيحين : ( أحدهما ) عن ابن عمر أنه كان يكره شم الريحان للمحرم ( والثاني ) عن ابن الزبير أنه سمع جابرا يسأل عن الريحان أيشمه المحرم والطيب والدهن ؟ فقال : لا ( وأما ) قوله : إن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم " كن يختضبن بالحناء وهن محرمات " فغريب وقد حكاه ابن المنذر في الأشراف بغير إسناد وإنما روى البيهقي في هذه المسألة حديث عائشة { أنها سئلت عن الحناء والخضاب فقالت : كان خليلي صلى الله عليه وسلم لا يحب ريحه } قال البيهقي : فيه كالدلالة على أن الحناء ليس بطيب فقد { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الطيب ولا يحب ريح الحناء } .

[ ص: 288 ] أما ألفاظ الفصل ) فالياسمين والياسمون إن شئت أعربته بالياء والواو وإن شئت جعلت الإعراب في النون ( وأما ) الورس فسبق بيانه في باب زكاة الثمار ( وأما ) الريحان الفارسي فهو الضميران ( وأما ) المرزنجوش - فميم مفتوحة ثم راء ساكنة ثم زاي مفتوحة ثم نون ساكنة ثم جيم مضمومة ثم واو ثم شين معجمة - وهو معروف وهو نوع من الطيب يشبه الغسلة - بكسر الغين - والعوام يصحفونه ( وأما ) اللينوفر فهكذا هو في المهذب - بلامين - وذكر أبو حفص بن مكي الصقلي الإمام في كتابه ( تثقيف اللسان ) أنه إنما يقال : نيلوفر - بفتح النون واللام ونينوفر بنونين مفتوحين ولا يقال نينوفر - بكسر النون - وجعله من لحن العوام قوله : ولأن هذه الأشياء لها رائحة إذا كانت رطبة فإذا جفت لم يكن لها رائحة يعني فلا يكون طيبا ; لأن الطيب هو ما قصد به الطيب رطبا ويابسا وهذه الأشياء ليست كذلك فإن رائحتها تختص بحال الرطوبة ( قوله : ) ويشم الريحان - هو بفتح الياء والشين - قوله : الأترج هو - بضم الهمزة والراء إسكان التاء بينهما وتشديد الجيم - ويقال ترنج حكاه الجوهري وآخرون والأول أفصح وأشهر وأما الحناء فممدود وهو اسم جنس والواحدة حناءة كقثاء وقثاءة قوله : كدهن الورد والزنبق هو - بفتح الزاي ثم نون ساكنة ثم باء موحدة مفتوحة ثم قاف - وهو دهن الياسمين الأبيض وقال الجوهري في صحاحه : هو دهن الياسمين فلم يخصه بالأبيض وهو لفظ عربي قوله : دهن البان المنشوش هو - بالنون والشين المعجمة المكررة ومعناه المغلي بالنار وهو يغلى بالمسك قوله : الكعبة وهي تجمر - بالجيم المفتوحة وتشديد الميم - أي تبخر قوله : المسك في نافجة هي بالنون والفاء والجيم - وهي وعاؤه الأصلي الذي تلقيه الظبية قوله : عبقت رائحته هو - بكسر الباء - أي فاحت والله أعلم .

[ ص: 289 ] أما الأحكام فقال أصحابنا - رحمهم الله - : يشترط في الطيب الذي يحكم بتحريمه أن يكون معظم الغرض منه الطيب واتخاذ الطيب منه أو يظهر فيه هذا الغرض هذا ضابطه ثم فصلوه فقالوا : الأصل في الطيب المسك والعنبر والكافور والعود والصندل والذريرة ونحو ذلك وهذا كله لا خلاف فيه والكافور صمغ شجر معروف وأما النبات الذي له رائحة فأنواع : منها ما يطلب للتطييب واتخاذ الطيب منه كالورد والياسمين والخيري والزعفران والورس ونحوها فكل هذا طيب وحكى الرافعي وجها شاذا في الورد والياسمين والخيري أنها ليست طيبا والمذهب الأول قال أصحابنا : نص النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح السابق على الزعفران والورس ونبهنا بهما على ما في معناهما وما فوقهما . كالمسك ( ومنها ) ما يطلب للأكل أو للتداوي غالبا كالقرنفل والدارصيني والفلفل والمصطكى والسنبل وسائر الفواكه كل هذا وشبهه ليس بطيب فيجوز أكله وشمه وصبغ الثوب به ولا فدية فيه سواء قليله وكثيره ولا خلاف في شيء من هذا إلا القرنفل فإن صاحب البيان حكى فيه وجهين : ( أحدهما ) وهو قول الصيدلاني أنه ليس بطيب ( والثاني ) قول الصيمري أنه طيب قال : وهو الأصح وليس كما قال بل الصحيح المشهور الذي قطع به الجمهور أنه ليس بطيب والله أعلم .

( ومنها ) ما ينبت بنفسه ولا يراد للطيب كنور أشجار الفواكه كالتفاح والمشمش والكمثرى والسفرجل وكالشيح والقيصوم وشقائق النعمان والإذخر والخزامي وسائر أزهار البراري فكل هذا ليس بطيب فيجوز أكله وشمه وصبغ الثوب به ولا فدية فيه بلا خلاف ( ومنها ) ما يتطيب به ولا يتخذ منه الطيب كالنرجس والمرزنجوش والريحان الفارسي والآس وسائر الرياحين ففيها طريقان حكاها البندنيجي : ( أصحهما ) عنده أنها طيب قولا واحدا ( والطريق الثاني ) وهو الصحيح المشهور وبه قطع الجمهور فيه قولان مشهوران ذكرهما المصنف [ ص: 290 ] بدليلهما : ( الصحيح ) الجديد أنها طيب موجبة للفدية ( والقديم ) ليست بطيب ولا فدية وممن ذكر كل الرياحين في هذا النوع وحكى فيها القولين المحاملي والبندنيجي وصاحب البيان ( وأما ) اللينوفر ففيه طريقان : ( المشهور ) أنه كالنرجس فيكون فيه القولان : ( الجديد ) تحريمه ( والقديم ) إباحته وبهذا الطريق قطع المصنف والأكثرون ( والثاني ) أنه طيب قولا واحدا حكاه الرافعي وقطع به البندنيجي وقطع المصنف في التنبيه بأنه ليس بطيب وهو شاذ وضعيف ( وأما ) البنفسج ففيه ثلاث طرق مشهورة ذكرها المصنف : ( أصحها ) أنه طيب ( والثاني ) أنه ليس بطيب وبه قطع المصنف في التنبيه ( والثالث ) فيه قولان فإذا قلنا بالمذهب : إنه طيب فقد ذكر الماوردي وغيره لنص الشافعي الذي حكاه المصنف تأويلين : ( أحدهما ) محمول على المربى بالسكر الذي ذهبت رائحته وهذا هو التأويل الذي ذكره المصنف وهو المشهور ( والثاني ) أنه محمول على البنفسج البري وحكى الرافعي وجها أنه يعتبر عادة كل بلد فيما يتخذ طيبا قال : وهو غلط نبهنا عليه والصواب ما سبق

( فرع ) الحناء والعصفر ليسا بطيب بلا خلاف عندنا ولا فدية فيها كيف استعملهما وقال صاحب الإبانة : قال الشافعي : لو اختضبت المرأة بالحناء ولفت على يدها خرقة فعليها الكفارة قال : فمنهم من قال : فيه قولان ومنهم من قال ليس بطيب قولا واحدا وإنما القولان في لف الخرقة [ ص: 291 ] كالقولين في القفازين هذا كلامه وكذا قال شارح الإبانة هو وصاحب العدة : الحناء هل هو طيب أم لا ؟ قيل : فيه قولان وقيل : ليس بطيب قطعا وهذا الخلاف الذي حكياه غلط والمشهور والمعروف في المذهب أنه ليس بطيب قولا واحدا وإنما القولان في الخرق الملفوفة وقد سبق بيانه واضحا والله أعلم .

( فرع ) في أنواع من النبات غريبة ذكرها بعض الأصحاب ( منها ) الكاذي - بالذال المعجمة - نقل القاضي أبو الطيب في تعليقه عن الشافعي أنه طيب قولا واحدا كالمسك قال الشافعي : وهو نبات يشبه السوسن وممن قطع بأنه طيب الماوردي وصاحب البيان ( ومنها ) اللفاح ذكر المحاملي والقاضي أبو الطيب والبندنيجي البغوي والمتولي وصاحب العدة أنه على القولين كالنرجس قال القاضي أبو الطيب وكذلك القولان في النمام - بفتح النون وتشديد الميم - وهو نبت معروف طيب الرائحة قال : ويجريان في السوسن والبرم وقال الدارمي : النمام يحتمل أنه على القولين كالنرجس ويحتمل أنه ليس بطيب قطعا كالبقول قال الدارمي : الأترج والنارنج ليسا بطيب قال : وأما قشورهما فقال أبو إسحاق المروزي : ليست بطيب وقال أبو علي بن أبي هريرة : فيه قولان كالريحان هذا كلامه وهو غريب والصواب القطع بأنها ليست طيبا ( فرع ) حب المحلب قال الدارمي : ليس هو بطيب ولم يذكر فيه خلافا وفيما قاله احتمال

( فرع ) الأدهان ضربان : ( أحدهما ) دهن ليس بطيب ولا فيه طيب كالزيت والشيرج والسمن والزبد ودهن الجوز واللوز ونحوها فهذا لا يحرم استعماله في جميع البدن إلا في الرأس واللحية فيحرم استعماله فيهما بلا خلاف لما ذكره المصنف فلو كان أصلع لا تنبت رأسه شعرا فدهن رأسه أو أمرد فدهن ذقنه فلا فدية بلا خلاف وإن كان محلوق [ ص: 292 ] الرأس فوجهان مشهوران في طريقة خراسان : ( أصحهما ) وبه قطع المصنف وجماهير العراقيين وجوب الفدية لما ذكره المصنف ( والثاني ) لا فدية ; لأنه لا يزال به شعث وهذا اختيار المزني والفوراني واتفق أصحابنا على جواز استعمال هذا الدهن في جميع بدنه غير الرأس واللحية سواء شعره وبشره وعلى جواز أكله ولو كان على رأسه شجة فجعل هذا الدهن في داخلها من غير أن يمس شعرا فلا فدية بلا خلاف صرح به الدارمي والبندنيجي والماوردي وصاحب الشامل وآخرون قال الماوردي : ولو طلى شعر رأسه ولحيته بلبن جاز ولا فدية وإن استخرج منه السمن ; لأنه ليس بدهن ولا يحصل به ترجيل الشعر قال : وأما الشحم والشمع إذا أذيبا فهما كالدهن يحرم على المحرم ترجيل شعره بهما والله أعلم .

( الضرب الثاني ) دهن هو طيب ( فمنه ) دهن الورد والمذهب وجوب الفدية فيه وبه قطع المصنف والجمهور ( وقيل ) : فيه وجهان حكاه الرافعي وأشار إليه إمام الحرمين ( ومنه ) دهن البنفسج فإن لم تجب الفدية في نفس البنفسج فدهنه أولى وإلا فكدهن الورد قال الرافعي : ثم اتفق الأصحاب على أن ما طرح فيه الورد والبنفسج فهو دهنهما ولو طرحا على السمسم فأخذ رائحته ثم استخرج منه الدهن قال الجمهور : لا فدية فيه وخالفهم الشيخ أبو محمد الجويني فأوجبها ( ومنه ) البان ودهنه قال الرافعي : أطلق الجمهور أن كل واحد منهما طيب ونقل إمام الحرمين عن نص الشافعي أنهما ليسا بطيب وتابعه الغزالي قال الرافعي : ويشبه أن لا يكون خلافا محققا بل هما محمولان على تفصيل حكاه صاحب المذهب والتهذيب وهو أن دهن البان المنشوش وهو المغلي في الطيب طيب وغير المنشوش ليس بطيب هذا كلام الرافعي وهو كما قال وقد قال : بالتفصيل الذي ذكره صاحب المهذب والتهذيب جماعات غيرهما منهم القاضي أبو الطيب والمحاملي وصاحب البيان [ ص: 293 ] وآخرون ونقله المحاملي عن نص الشافعي ( ومنه ) دهن الزنبق والخيري والكاذي وهذا كله طيب بلا خلاف لما ذكره المصنف والله أعلم .

( وأما ) دهن الأترج ففيه وجهان حكاهما الماوردي والروياني : ( أحدهما ) أنه طيب وبه قطع الدارمي ; لأن قشره يربى به الدهن كالورد ( والثاني ) ليس بطيب ; لأن الأترج ليس بطيب وإنما هو مأكول مباح للمحرم

( فرع ) اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أنه يجوز أن يجلس المحرم عند عطار وهو في موضع يبخر والأولى اجتنابه لما ذكره المصنف وقد سبق بيان هذا في الفصل الذي قبل هذا وسبق فيه أيضا حكم حمل الطيب في قارورة وخرقة وحمل نافجة المسك وسبق فيه أيضا بيان القولين فيمن مس طيبا فعلقت به رائحته وأن الأصح أنه لا فدية والله أعلم .

( فرع ) متى لصق الطيب ببدنه أو ثوبه على وجه لا يوجب الفدية بأن كان ناسيا أو ألقته ريح عليه لزمه المبادرة بإزالته بأن ينحيه أو يغسله أو يعالجه بما يقطع ريحه قال الدارمي وغيره لو حته حتى ذهب أثره كفاه قال المصنف الأصحاب : الأولى يأمر غيره بإزالته ولا يباشره بنفسه فإن باشره بنفسه جاز بلا خلاف لما ذكره المصنف فإن أخر إزالته مع الإمكان لزمته الفدية فإن كان زمنا لا يقدر على إزالته فلا فدية كمن أكره على التطيب ذكره البغوي ولو لصق به طيب يوجب الفدية لزمه أيضا المبادرة إلى إزالته فإن أخره عصى ولا تتكرر به الفدية قال المصنف والأصحاب : ولو كان معه ما يكفيه لوضوئه أو إزالة الطيب ولا يكفيه لهما وهو محدث ولم يمكنه إزالة الطيب بغير الماء غسل الطيب ; لأنه لا بدل له ويتيمم هكذا أطلق المصنف وكثيرون المسألة وقال المحققون : هذا إذا لم يمكن أن يتوضأ به ويجمعه ثم يغسل به الطيب فإن أمكن ذلك وجب فعله جمعا [ ص: 294 ] بين العبادتين وقد سبقت المسألة واضحة في باب التيمم في مسألة من وجد بعض ما يكفيه ولو كان عليه نجاسة وطيب ولم يمكنه إلا غسل أحدهما غسل النجاسة لما ذكره المصنف والله أعلم .

( فرع ) قال أصحابنا : ولا يكره للمحرم شرى الطيب كما لا يكره شرى المخيط والجارية

( فرع ) يحرم عليه أن يتكحل بما فيه طيب فإن احتاج إليه جاز وعليه الفدية وله الاكتحال بما لا طيب فيه فقد ذكر المصنف في أواخر هذا الباب أنه يكره ; لأنه زينة واتفق أصحابنا على أنه لا يحرم ( وأما ) الكراهة فنقل المزني عن الشافعي أنه لا بأس به ونص في الإملاء على كراهته فقيل قولان ( والأصح ) أنه على حالين فإن لم يكن فيه زينة كالتوتياء الأبيض لم يكره وإن كان فيه زينة كالإثمد كره إلا لحاجة كرمد

( فرع ) قد ذكرنا أن الطيب حرام على المحرم وهذا مجمع عليه ومذهبنا أنه لا فرق بين أن يتبخر أو يجعله في بدنه أو ثوبه وسواء كان الثوب مما ينفض الطيب أو لم يكن قال العبدري : وبه قال أكثر العلماء وقال أبو حنيفة : يجوز للمحرم أن يتبخر بالعود والند ولا يجوز أن يجعل شيئا من الطيب في بدنه ويجوز أن يجعله على ظهر ثوبه فإن جعله في باطنه - وكان الثوب لا ينفض - فلا شيء عليه وإن كان ينفض لزمته الفدية دليلنا حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا يلبس ثوبا مسه ورس أو زعفران } رواه البخاري ومسلم وهو عام يتناول ما ينفض وغيره ( فرع ) الحناء ليس بطيب عندنا كما سبق ولا فدية وبه قال مالك وأحمد وداود وقال أبو حنيفة : طيب يوجب الفدية

[ ص: 295 ] فرع ) إذا لبس ثوبا معصفرا فلا فدية والعصفر ليس بطيب هذا مذهبنا وبه قال أحمد وداود وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر وجابر وعبد الله بن جعفر وعقيل بن أبي طالب وعائشة وأسماء وعطاء قال : وكرهه عمر بن الخطاب وممن تبعه الثوري ومالك ومحمد بن الحسن وأبو ثور وقال أبو حنيفة : إن نفض على البدن وجبت الفدية وإلا وجبت صدقة دليلنا الحديث الذي ذكره المصنف

( فرع ) إذا حصل الطيب في مطبوخ أو مشروب - فإن لم يبق له طعم ولا لون ولا رائحة - فلا فدية في أكله وإن بقيت رائحته وجبت الفدية بأكله عندنا كما سبق وقال أبو حنيفة : لا فدية ودليلنا أن مقصود الطيب هو الترفه باق

( فرع ) قد ذكرنا أن مذهبنا أن الزيت والشيرج والسمن والزبد ونحوها من الأدهان غير المطيبة لا يحرم على المحرم استعمالها في بدنه ويحرم عليه في شعر رأسه ولحيته وقال الحسن بن صالح : يجوز استعمال ذلك في بدنه وشعر رأسه ولحيته وقال مالك : لا يجوز أن يدهن بها أعضاءه الظاهرة كالوجه واليدين والرجلين ويجوز دهن الباطنة وهي ما يوارى باللباس وقال أبو حنيفة كقولنا في السمن والزبد وخالفنا في الزيت والشيرج فقال : يحرم استعماله في الرأس والبدن وقال أحمد : إن ادهن بزيت أو شيرج فلا فدية في أصح الروايتين سواء يديه ورأسه وقال داود : يجوز دهن رأسه ولحيته وبدنه بدهن غير مطيب واحتج أصحابنا بحديث فرقد السبخي الزاهد رحمه الله عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ادهن بزيت غير مقتت وهو محرم } رواه الترمذي والبيهقي وهو ضعيف وفرقد غير قوي عند المحدثين قال الترمذي : هو ضعيف غريب لا يعرف إلا من حديث فرقد وقد تكلم فيه يحيى بن سعيد وقوله : غير [ ص: 296 ] مقتت أي غير مطيب وإذا لم يثبت الحديث تعين المصير إلى حديث آخر وهو أن الذي جاء الشرع به استعمال الطيب وهذا ليس منه فلا يثبت تحريمه هذا دليل على من حرمه في جميع البدن ( أما ) من أباحه في الرأس واللحية فالدليل عليه ما ذكره المصنف

( فرع ) ذكرنا أن مذهبنا أن في تحريم الرياحين قولين : ( الأصح ) تحريمه ووجوب الفدية وبه قال ابن عمر وجابر والثوري ومالك وأبو ثور وأبو حنيفة إلا أن مالكا وأبا حنيفة يقولان : يحرم ولا فدية قال ابن المنذر : واختلف في الفدية عن عطاء وأحمد وممن جوزه - وقال : هو حلال لا فدية فيه - عثمان وابن عباس والحسن البصري ومجاهد وإسحاق قال العبدري : وهو قول أكثر الفقهاء

( فرع ) قد ذكرنا أن مذهبنا جواز جلوس المحرم عند العطار ولا فدية فيه وبه قال ابن المنذر قال : وأوجب عطاء فيه الفدية وكره ذلك مالك

( فرع ) قال ابن المنذر : أجمع العلماء على أن للمحرم أن يأكل الزيت والشحم والشيرج والسمن قال : وأجمع عوام أهل العلم على أنه له دهن بدنه بالزيت والشحم والشيرج والسمن قال : وأجمعوا على أنه ممنوع من حيث استعمال الطيب في جميع بدنه والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية