صفحة جزء
[ ص: 411 ] قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( ولا يجب غسل ما تحت الشعر الكثيف في الوضوء إلا في خمسة مواضع : الحاجب والشارب والعنفقة والعذار واللحية الكثة للمرأة لأن الشعر في هذه المواضع يخف في العادة وإن كثف ، لم يكن إلا نادرا فلم يكن له حكم ) .


( الشرح ) قال أصحابنا : ثمانية من شعور الوجه يجب غسلها وغسل البشرة تحتها سواء خفت أو كثفت ، وهي الحاجب والشارب والعنفقة والعذار ولحية المرأة ولحية الخنثى وأهداب العين وشعر الخد ، فأما الخمسة الأولى فقد ذكرها . المصنف والأصحاب ، وأما الأهداب فنص عليها الشافعي والأصحاب منهم الشيخ أبو حامد والماوردي والمحاملي ، وسليم الرازي والقاضي حسين والفوراني وإمام الحرمين وابن الصباغ والغزالي والبغوي والمتولي وخلائق لا يحصون ، وأما شعر الخد فصرح به البغوي وغيره ، وأما لحية الخنثى فصرح بها الدارمي والمتولي والبغوي والرافعي وآخرون ، وعلله المتولي بأنه نادر وبأن الأصل في أحكام الخنثى العمل باليقين ، ويعلل بثالث وهو أن غسل البشرة كان واجبا قبل نبات اللحية وشككنا هل سقط ؟ والأصل بقاؤه ، وهذا تفريع على المذهب أن لحية الخنثى لا تكون علامة لذكورته . واعلم أنه ينكر على المصنف كونه لم يستثن إلا الخمسة وأهمل الثلاثة الأخيرة ، ويجاب عنه بأنه رآها ظاهرة تفهم مما ذكره لأن الكثافة في الأهداب والخد أندر منها في الخمسة ، ولحية الخنثى تعلم من كونه له حكم المرأة فيما فيه احتياط . واعلم أن الشعور الثمانية يجب غسلها وغسل ما تحتها مع الكثافة بلا خلاف إلا وجها حكاه الرافعي فيها كلها أنها كاللحية ، وإلا وجها مشهورا عند الخراسانيين في العنفقة وحدها أنها كاللحية ووجها أنها إن اتصلت باللحية فهي كاللحية ، وإن انفصلت وجب غسل بشرتها مع الكثافة ، حكاه القاضي حسين والفوراني والمتولي وصاحبا العدة والبيان ، فحصل في العنفقة ثلاثة أوجه الصحيح وجوب غسل بشرتها مع الكثافة .

[ ص: 412 ] فرع ) في تفسير هذه الشعور أما الحاجب فمعروف سمي حاجبا لمنعه العين من الأذى والحجب المنع . والشارب هو الشعر النابت على الشفة العليا ، ثم الجمهور قالوا : الشارب بالإفراد وقال القاضي أبو الطيب : قال الشافعي في الأم : يجب إيصال الماء إلى أصول الشعر في مواضع الحاجبين والشاربين والعذارين والعنفقة ، قال القاضي : قيل أراد الشافعي بالشاربين الشعر الذي على ظاهر الشفتين ، وقيل : أراد الشعر على الشفة العليا ، جعل ما يلي الشق الأيمن شاربا وما يلي الأيسر شاربا ، قال القاضي : هذا هو الصحيح ، وهذا الذي ذكره القاضي عن الأم ذكره الشافعي في موضع من الباب ، وقال في مواضع من الباب : " شارب " بالإفراد ، وممن ذكر الشاربين بالتثنية ابن القاص في التلخيص والغزالي في كتبه . وأما العنفقة فهي الشعر النابت على الشفة السفلى ، كذا قاله القاضي حسين وصاحبا التتمة والبيان ، وأما العذار فالنابت على العظم الناتئ بقرب الأذن قاله الشيخ أبو حامد والأصحاب وذكر الأصحاب في وجوب غسل بشرة هذه الشعور علتين : ( إحداهما ) أن كثافتها نادرة كما ذكره المصنف .

( والثانية ) أن المغسول يحيط بجوانبها فجعل لها حكم الجوانب . وقد أشار الشافعي في الأم إلى العلتين ، والأولى أصحهما وقطع بها جماعة كما قطع بها المصنف .

( فرع ) أما شعر العارضين فهو ما تحت العذار ، كذا ضبطه المحاملي وإمام الحرمين وابن الصباغ والرافعي وغيرهم ، وفيه وجهان الصحيح الذي قطع به الجمهور أن له حكم اللحية فيفرق بين الخفيف والكثيف كما سبق ، ممن قطع به أبو علي البندنيجي والفوراني وإمام الحرمين وابن الصباغ والمتولي والبغوي وصاحبا العدة والبيان والرافعي وآخرون ، ونص عليه الشافعي في الأم وصححه القاضي حسين ، وهو مفهوم من قول المصنف لا يجب غسل ما تحت الشعر الكثيف إلا في خمسة مواضع ، وليس هذا منها ، وشذ السرخسي فقال في الأمالي : ظاهر المذهب أن العارض [ ص: 413 ] كالعذار فيجب غسل ما تحته مع الكثافة ، وهذا شاذ متروك لمخالفته النفل والدليل ، فإن الكثافة فيه ليست بنادرة فأشبه اللحية .

( فرع ) الشعر الكثيف على اليد والرجل يجب غسله وغسل البشرة تحته بلا خلاف لندوره ، وكذا يجب غسل ما تحت الشعر الكثيف في غسل الجنابة بلا خلاف لعدم المشقة فيه لقلة وقوعه ، ولهذا احترز عنه المصنف ، بقوله : لا يجب غسل ما تحت الشعر الكثيف في الوضوء .

( فرع ) قول المصنف : وإن كثف لم يكن إلا نادرا فلم يكن له حكم . هذه العبارة مشهورة في استعمال العلماء ومعناها عندهم لم يكن للنادر حكم يخالف الغالب ، بل حكمه حكمه ، فمعناه هنا أن الكثافة لا تأثير لها فهي كالمعدومة .

( فرع ) قال القاضي حسين : لو نبتت للمرأة لحية استحب لها نتفها وحلقها لأنها مثلة في حقها بخلاف الرجل ، وهذا قد قدمته في آخر باب السواك والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية