صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( فإن ذبح المحرم صيدا حرم عليه أكله ; لأنه إذا حرم عليه ما صيد له أو دل عليه فلأن يحرم ما ذبحه أولى وهل يحرم على غيره ؟ فيه قولان : ( قال ) في الجديد : يحرم لأن ما حرم على الذابح أكله حرم على غيره كذبيحة المجوسي ( وقال ) في القديم : لا يحرم ; لأن ما حل بذكاته غير الصيد حل بذكاته الصيد كالحلال فإن أكل ما ذبحه لم يضمن بالأكل ; لأن ما ضمنه بالقتل لم يضمنه بالأكل كشاة الغير ) .


( الشرح ) إذا ذبح المحرم صيدا حرم عليه بلا خلاف وفي تحريمه على غيره القولان اللذان ذكرهما المصنف ( الجديد ) تحريمه وهو الأصح عند الجمهور وقال القاضي أبو الطيب في تعليقه : صحح كثيرون من [ ص: 322 ] أصحابنا هذا القديم وقال القاضي أيضا في كتابه المجرد : وقال أصحابنا : القديم هنا هذا كلامه والصحيح عند الجمهور هو الجديد ودليل الجميع في الكتاب ( وإن قلنا ) بالجديد فأكله غير المحرم لم يلزمه الجزاء بلا خلاف ; لأنه لم يتلف صيدا فهو كمن أكل ميتة أخرى صرح به الماوردي وغيره فعلى الجديد ذبيحة المحرم ميتة وعلى القديم ليست ميتة هذا في حق غيره ولا خلاف في تحريمها عليه في الإحرام فلو تحلل واللحم باق هل يجوز له ؟ ( إن قلنا ) : يحرم على غيره فعليه أولى وإلا فطريقان حكاهما إمام الحرمين وغيره : ( أحدهما ) القطع بتحريمه ; لأنا لو أبحناه له بعد التحلل جعل ذلك ذريعة إلى إدخاره قال إمام الحرمين : وبهذا الطريق قطع المراوزة ( والطريق الثاني ) فيه وجهان : ( أصحهما ) تحريمه لما ذكرناه .

( والثاني ) إباحته ; لأن المنع للإحرام وقد زال وبهذا الطريق قطع المتولي البغوي وآخرون ونقله إمام الحرمين عن العراقيين إلا أنه قال : زيفوا وجه الإباحة والله أعلم . هذا حكم ذبيحة المحرم ( فأما ) إذا ذبح الحلال صيدا حرميا ففيه طريقان مشهوران وقد ذكرهما المصنف في أواخر الباب الذي بعد هذا : ( أصحهما ) أنه كذبيحة المحرم " فيحرم عليه بلا خلاف وفي تحريمه على غيره القولان : ( الأصح ) تحريمه ( والثاني ) إباحته ( والطريق الثاني ) وصححه البندنيجي يحرم على غيره قولا واحدا كما يحرم عليه والفرق بينه وبين ذبيحة المحرم من وجهين : ( أحدهما ) أن صيد الحرم محرم على جميع الناس ( والثاني ) أنه محرم في جميع الأزمان بخلاف صيد الإحرام والله أعلم . وإذا أكل ما ذبحه بنفسه في الحرم أو الإحرام لا يلزمه بالأكل جزاء إنما يلزمه جزاء واحد بسبب الذبح وقد سبقت المسألة قريبا واضحة والله [ ص: 323 ] أعلم .

( أما ) إذا كسر المحرم بيض صيد وقلاه فيحرم عليه بلا خلاف وفي تحريمه على غيره طريقان : ( أشهرهما ) وهي التي اختارها المصنف في الفصل الذي بعد هذا وكثيرون وبها قطع الشيخ أبو حامد ونقلها صاحب البحر عن الأصحاب مطلقا أنه على القولين كاللحم ( الجديد ) تحريمه ( والقديم ) إباحته ( والطريق الثانية ) القطع بإباحته واختارها القاضي أبو الطيب وصححها الماوردي والمتولي والروياني في البحر وغيرهم وقطع بها القاضي حسين في تعليقه البغوي وآخرون قال الماوردي : وجهل بعض المتأخرين فحكى في تحريمه قولين قال : وهذا جهل قبيح والصواب إباحته ; لأنه لا يحتاج إلى ذكاة وفرق هؤلاء بين اللحم والبيض بأن الحيوان لا يستباح إلا بذكاة والمحرم ليس من أهلها بخلاف البيض فإنه يباح بكل حال ويباح من غير قلي ولو كسره مجوسي أو قلاه حل بخلاف الحيوان قال المتولي : فعلى هذا ينزل البيض منزلة ذبيحة حلال فمن حل له أكل صيد ذبحه له حلال حل له هذا البيض قال المتولي : ولو حلب لبن صيد أو قتل جرادة فهو ككسره البيض ; لأن الجرادة تحل بالموت ولهذا لو قتلها مجوسي حلت وقطع الماوردي وغيره بأن الجراد إذا قتله محرم حل للحلال قال المتولي : ولو أخذ إنسان بيض صيد الحرم فكسره أو قلاه فطريقان : ( أحدهما ) أنه كلحم صيد الحرم ( وأصحهما ) أنا إن قلنا : صيد الحرم ليس بميتة فالبيض حلال وإن قلنا : ميتة ففي البيض وجهان : ( أحدهما ) لا يحل ; لأنا جعلنا صيد الحرم كحيوان لا يحل لكونه محرما على العموم وبيض ما لا يؤكل لا يحل ( والثاني ) يحل ; لأن أخذ البيض وقليه ليس سبب الإباحة بخلاف ذبح الصيد قال : وحكم ابن صيد الحرم وحكم جراده حكم البيض فيما ذكرنا وقطع الماوردي بأن بيض صيد [ ص: 324 ] الحرم حرام على كاسره وعلى جميع الناس قولا واحدا ; لأن حرمة الحرم لم تزل عنه بكسره

التالي السابق


الخدمات العلمية