صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( والسنة أن يضطبع فيجعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن ، ويطرح طرفيه على منكبه الأيسر ، ويكشف الأيمن . لما روى ابن عباس رضي الله عنهما { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم فاضطبعوا فجعلوا أرديتهم تحت آباطهم ، وقذفوها على عواتقهم } ) .


( الشرح ) حديث ابن عباس هذا صحيح رواه أبو داود بإسناد صحيح ، ولفظه عن ابن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت ، فجعلوا أرديتهم تحت آباطهم ثم قذفوها على عواتقهم اليسرى } ورواه البيهقي بإسناد صحيح [ ص: 26 ] قال : عن ابن عباس قال { اضطبع النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه ، ورملوا ثلاثة أشواط ، ومشوا أربعا } وعن يعلى بن أمية رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت مضطبعا ببرد } رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه بأسانيد صحيحة ، قال الترمذي : هو حديث حسن صحيح . وفي رواية البيهقي { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت مضطبعا } إسناده صحيح . وعن أسلم مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : سمعت عمر يقول { فيم الرملان الآن والكشف عن المناكب ؟ وقد وطد الله الإسلام ونفى الكفر وأهله ومع ذلك لا نترك شيئا كنا نصنعه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم } رواه البيهقي بإسناد صحيح قال أهل اللغة : الاضطباع مشتق من الضبع ، بفتح الضاد وإسكان الباء ، وهو العضد ، وقيل النصف الأعلى من العضد ، وقيل منتصف العضد ، وقيل هو الإبط . قال الأزهري : ويقال للاضطباع أيضا التوشح والتأبط وقوله " وسط ردائه " هو - بفتح السين - ويجوز إسكانها ، وسبق بيان هذا في باب موقف الإمام . واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على استحباب الاضطباع في الطواف واتفقوا على أنه لا يسن في غير طواف الحج والعمرة ، وأنه يسن في طواف العمرة وفي طواف واحد في الحج ، وهو طواف القدوم أو الإفاضة ، ولا يسن إلا في أحدهما ، وحاصله أنه يسن في طواف يسن فيه الرمل ، ولا يسن فيما لا يسن فيه الرمل ، وهذا لا خلاف فيه ، وسيأتي قريبا إن شاء الله تعالى بيان الطواف الذي يسن فيه الرمل . ومختصره أن الأصح من القولين أنه إنما يسن الرمل والاضطباع في طواف يعقبه سعي ، وهو إما القدوم وإما الإفاضة ولا يتصوران في طواف الوداع .

( والثاني ) أنهما يسنان في طواف القدوم مطلقا ، سواء سعى بعده أم لا .

قال أصحابنا : لكن يفترق الرمل والاضطباع في شيء واحد وهو أن [ ص: 27 ] الاضطباع مسنون في جميع الطوفات السبع ، وأما الرمل إنما يسن في الثلاث الأول ويمشي في الأربع الأواخر . قال أصحابنا : ويسن الاضطباع أيضا في السعي . هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور ، وفيه وجه شاذ أنه لا يسن فيه ، ممن حكاه الرافعي . وهل يسن الاضطباع في ركعتي الطواف ؟ فيه وجهان ( الأصح ) لا يسن ; لأن صورة الاضطباع مكروهة في الصلاة ، فإن قلنا لا يسن في الصلاة طاف مضطبعا ، فإذا فرغ من الطواف أزال الاضطباع وصلى ثم اضطبع فسعى . وإن قلنا إنه يضطبع في الصلاة اضطبع في أول الطواف ، ثم أدامه في الطواف ثم في الصلاة ، ثم في السعي ، ولا يزيله حتى يفرغ من السعي . واعلم أن هذين الوجهين في استحباب الاضطباع في ركعتي الطواف مشهوران في كتب الخراسانيين ، وقطع جمهور العراقيين بعدم الاستحباب . واتفق الخراسانيون على أنه الأصح قال القاضي حسين وإمام الحرمين وغيرهما : سبب الخلاف أن الشافعي قال : ويديم الاضطباع حتى يكمل سعيه ، فقال بعضهم : سعيه ، بياء مثناة بعد العين ، وقال بعضهم : سبعة ، بباء موحدة قبل العين إلى الطوفات السبع . ثم المذهب الصحيح المشهور الذي قطع به الجمهور أنه يضطبع في جميع مسافة السعي بين الصفا والمروة . ومن أول السعي إلى آخره . وحكى الدارمي وجها عن ابن القطان أنه إنما يضطبع في موضع سعيه دون موضع مشيه . وهذا شاذ مردود ، والله أعلم .

( فرع ) الاضطباع مسنون للرجل ولا يشرع للمرأة بلا خلاف ، لما ذكره المصنف ، ولا يشرع أيضا للخنثى . وفي الصبي طريقان ( أصحهما ) وبه قطع الجمهور : يسن له فيفعله بنفسه ، وإلا فيفعله به وليه كسائر أعمال الحج ( والثاني ) فيه وجهان ( أصحهما ) هذا ( والثاني ) لا يشرع [ ص: 28 ] له ، قاله أبو علي بن أبي هريرة . وممن حكى هذا الطريق القاضي أبو الطيب في تعليقه والدارمي والرافعي وغيرهم ، قال القاضي أبو الطيب والدارمي : قال أبو علي بن أبي هريرة : لا يضطبع الصبي لأنه ليس من أهل الجلد .

( فرع ) قال الماوردي وغيره من الأصحاب : ولو ترك الاضطباع في بعض الطواف أتى به فيما بقي ، ولو تركه في الطواف أتى به في السعي .

( فرع ) قد ذكرنا أن مذهبنا استحباب الاضطباع . وقال مالك لا يشرع الاضطباع لزوال سببه ، قال أصحابنا : هذا منتقض بالرمل بما قدمناه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية