صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( ويطوف سبعا ; لما روى جابر قال { خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم مكة فطاف بالبيت سبعا ثم صلى } فإن ترك بعض السبعة لم يجزه لأن النبي صلى الله عليه وسلم { طاف سبعا وقال : خذوا عني مناسككم } ) .


( الشرح ) حديث جابر رواه مسلم بمعناه ، قال { خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن فرمل ثلاثا ، ومشى أربعا ، ثم نفر إلى مقام إبراهيم فقرأ { واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى } } وثبت عن ابن عمر قال { قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت سبعا ، وصلى خلف المقام ركعتين ، ثم خرج إلى الصفا } رواه البخاري ومسلم . وأما حديث { خذوا عني مناسككم } فرواه جابر قال : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي على راحلته يوم النحر ويقول : لتأخذوا عني مناسككم ، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه } رواه مسلم في صحيحه بهذا اللفظ في أبواب رمي الجمار ، ورواه البيهقي في سننه في باب الإسراع في وادي محسر ، بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم [ ص: 29 ] من رواية جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { خذوا عني مناسككم لعلي لا أراكم بعد عامي هذا } والله أعلم أما حكم المسألة فشرط الطواف أن يكون سبع طوفات ، كل مرة من الحجر الأسود إلى الحجر الأسود ، ولو بقيت خطوة من السبع لم يحسب طوافه ، سواء كان باقيا في مكة أو انصرف عنها وصار في وطنه ، ولا ينجبر شيء منه بالدم ، ولا بغيره بلا خلاف عندنا ، ولو شك في عدد الطواف أو السعي لزمه الأخذ بالأقل ، ولو غلب على ظنه الأكثر لزمه الأخذ بالأقل المتيقن كما سبق في الصلاة ، ولو أخبره عدل أو عدلان بأنه إنما طاف أو سعى ستا وكان يعتقد أنه أكمل السبع لم يلزمه العمل بقولهما ، لكن يستحب . هذا كله إذا كان الشك وهو في الطواف ، أما إذا شك بعد فراغه فلا شيء عليه ، ويحتمل أن يجيء فيه القول الضعيف في نظيره من الصلاة ، وهل يشترط موالاة الطوفات السبع ؟ فيه خلاف سنذكره مبسوطا إن شاء الله تعالى في أواخر أحكام الطواف حيث ذكر المصنف ، والأصح أنها لا تشترط .

( فرع ) قد ذكرنا أنه لو بقي شيء من الطوفات السبع لم يصح طوافه ، سواء قلت البقية أم كثرت ، وسواء كان بمكة أم في وطنه ، ولا يجبر بالدم . هذا مذهبنا ، وبه قال جمهور العلماء . وهذا مذهب عطاء ومالك وأحمد وإسحاق وابن المنذر . وقال أبو حنيفة : إن كان بمكة لزم الإتمام في طواف الإفاضة . وإن كان قد انصرف منها وقد طاف ثلاث طوفات لزمه الرجوع للإتمام ، وإن كان قد طاف أربعا لم يلزمه العود بل أجزأه طوافه وعليه دم . دليلنا أن النبي صلى الله عليه وسلم بين الطواف المأمور به سبعا ، فلا يجوز النقص منه كالصلاة .

( فرع ) ( في مذاهبهم في الشاك في الطواف ) . قال ابن المنذر : أجمع العلماء على أن من شك في عدد طوافه بنى على [ ص: 30 ] اليقين ، قال ولو اختلف الطائفان في عدد الطواف ، قال عطاء بن أبي رباح والفضيل بن عياض : يأخذ بقول صاحبه الذي لا يشك . وقال مالك : أرجو أن يكون فيه سعة . قال الشافعي : فمذهبه أنه لا يجزئه إلا علم نفسه لا يقبل قول غيره . قال ابن المنذر وبه أقول ، والله أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية