صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( والأفضل أن يطوف راجلا لأنه إذا طاف راكبا زاحم الناس وآذاهم ، وإن كان به مرض يشق معه الطواف راجلا لم يكره الطواف راكبا ، لما [ ص: 37 ] روت أم سلمة [ رضي الله عنها ] أنها قدمت مريضة ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم { طوفي وراء الناس وأنت راكبة } وإن كان راكبا من غير عذر جاز ، لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف راكبا ليراه الناس ويسألوه ) .


( الشرح ) حديث أم سلمة رواه البخاري ومسلم ، وحديث جابر رواه مسلم ، وثبت طواف النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين أيضا من رواية ابن عباس وثبت أيضا من رواية غير هؤلاء . ولفظ حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم { طاف في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن } رواه البخاري ومسلم . وفي حديث { طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته يستلم الركن بمحجنه لأن يراه الناس ، وليشرف فيسألوه ، فإن الناس غشوه } رواه مسلم . وعن عائشة قالت { طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع حول الكعبة على بعير ، يستلم الركن كراهة أن يضرب عنه الناس } رواه مسلم . ( أما الأحكام ) فقال أصحابنا : الأفضل أن يطوف ماشيا ولا يركب إلا لعذر مرض أو نحوه ، أو كان ممن يحتاج الناس إلى ظهوره ليستفتى ويقتدى بفعله . فإن طاف راكبا بلا عذر جاز بلا كراهة لكنه خالف الأولى . كذا قاله جمهور أصحابنا ، وكذا نقله الرافعي عن الأصحاب . وقال إمام الحرمين : في القلب من إدخال البهيمة التي لا يؤمن تلويثها المسجد شيء ، فإن أمكن الاستيثاق فذلك ، وإلا فإدخالها المسجد مكروه . هذا كلام الرافعي ، وجزم جماعة من أصحابنا بكراهة الطواف راكبا من غير عذر ، منهم البندنيجي والماوردي في الحاوي والقاضي أبو الطيب والعبدري والمشهور الأول قال البندنيجي وغيره : والمرأة والرجل في الركوب سواء فيما ذكرناه . قال الماوردي : وحكم طواف المحمول على أكتاف الرجال كالراكب فيما ذكرناه ، قال : وإذا كان معذورا فطوافه [ ص: 38 ] محمولا أولى منه راكبا صيانة للمسجد من الدابة ، قال وركوب الإبل أيسر من ركوب البغال والحمير .

( فرع ) قد ذكرنا مذهبنا في طواف الراكب ، ونقل الماوردي إجماع العلماء على أن طواف الماشي أولى من طواف الراكب ، فلو طاف راكبا لعذر أو غيره صح طوافه ولا دم عليه عندنا في الحالين . وهذا هو الصحيح من مذهب أحمد . وبه قال داود وابن المنذر . وقال مالك وأبو حنيفة : إن طاف راكبا لعذر أجزأه ولا شيء عليه ، وإن طاف راكبا لغير عذر فعليه دم . قال أبو حنيفة : وإن كان بمكة أعاد الطواف واحتجا بأنها عبادة تتعلق بالبيت فلا يجزئ فعلها على الراحلة كالصلاة . واحتج أصحابنا بالأحاديث السابقة ، قالوا : إنما { طاف النبي صلى الله عليه وسلم راكبا لشكوى عرضت له } ، كذا رواه أبو داود في سننه بإسناده عن ابن عباس .

( والجواب ) أن الأحاديث الصحيحة الثابتة من رواية جابر وعائشة مصرحة بأن طوافه صلى الله عليه وسلم راكبا لم يكن لمرض ، بل كان ليراه الناس ويسألوه ولا يزاحموا عليه كما سبق ذكره . وأما حديث ابن عباس هذا فضعيف لأنه من رواية يزيد بن أبي زياد ، وهو ضعيف . قال البيهقي : وهذه الرواية تفرد بها يزيد هذا ( أما ) قياسهم على الصلاة ففاسد ; لأن الصلاة لا تصح راكبا إذا كانت فريضة ، وقد سلموا صحة الطواف ، ولكن ادعوا وجوب الدم ، ولا دليل لهم في ذلك . والله أعلم .

( فرع ) لو طاف زحفا مع قدرته على المشي فطوافه صحيح لكن يكره ، وممن صرح بصحته القاضي أبو الطيب في تعليقه في أثناء دلائل مسألة طواف الراكب فقال : طوافه زحفا كطوافه ماشيا منتصبا ، لا فرق بينهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية