صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( وإن توضأ ثم قطعت يده لم يلزمه غسل ما ظهر بالقطع من الحدث وكذا لو مسح شعر رأسه ثم حلقه لم يلزمه مسح ما ظهر ، لأن ذلك ليس ببدل عما تحته فلم يلزمه بظهوره طهارة كما لو غسل يده ثم كشط جلده ، فإن أحدث بعد ذلك لزمه غسل ما ظهر بالقطع لأنه صار ظاهرا ، وإن حصل في يده ثقب لزمه غسل باطنه لأنه صار ظاهرا ) .


( الشرح ) اتفق أصحابنا على أن من توضأ ثم قطعت يده من محل الفرض أو رجله أو حلق رأسه أو كشطت جلدة من وجهه أو يده لم يلزمه [ ص: 426 ] غسل ما ظهر ولا مسحه ما دام على تلك الطهارة ، وهذا لا خلاف فيه عندنا . ونقله ابن الصباغ عن نص الشافعي - رحمه الله في البويطي . وكذا رأيته أنا في البويطي وهو قول جمهور السلف وحكي عن مجاهد والحكم وحماد وعبد العزيز من أصحاب مالك ومحمد بن جرير الطبري أنهم أوجبوا طهارة ذلك العضو . ووقع في النهاية والوسيط في هذه المسألة غلط فقالا : لا يلزمه غسل ذلك خلافا لابن خيران ، قال في النهاية : نقله العراقيون عن ابن خيران فيقتضي هذا أن يكون وجها في المذهب ، فإن أبا علي بن خيران من كبار أصحابنا أصحاب الوجوه ومتقدميهم في العصر والمرتبة ، ولكن هذا غلط وتصحيف ، وقد اتفق المتأخرون على أن هذا غلط وتصحيف ، وأن صوابه : ( خلافا لابن جرير ) بالجيم وهو إمام مستقل لا يعد قوله وجها في مذهبنا ، وقد نقله أصحابنا العراقيون والخراسانيون أجمعون ، والغزالي أيضا في البسيط عن ابن جرير والله أعلم .

وقوله : لم يلزمه غسل ما ظهر بالقطع من الحدث ، احتراز من النجس فإنه يجب غسل المقطع من النجاسة إن كانت ، فإن خاف من غسله فهي مسألة من على قرحه دم يخاف من غسله فيصلي بحاله ويلزمه الإعادة في الجديد إن كان دما كثيرا بحيث لا يعفى عنه . وقوله : لأن ذلك ليس ببدل عما تحته فيه إشارة إلى الفرق بينه وبين الخف وقوله : إن أحدث بعد ذلك لزمه غسل ما ظهر ، كذا قاله أصحابنا واتفقوا عليه وقد ذكر في فصل غسل الوجه في مسائل الفرع وجهين فيما لو تطهر ثم قطع أنفه أو شفته هل يلزمه غسل ما ظهر ؟ وقوله : وإن حصل في يده ثقب لزمه غسل باطنه ، هذا متفق عليه ، ويقال : ثقب وثقب بفتح الثاء وضمها لغتان ذكرهما الفارابي في ديوان الأدب أشهرهما الفتح والله أعلم

( فرع ) في مسائل تتعلق بغسل اليد : ( إحداها ) قال أبو القاسم الصيمري وصاحبه الماوردي في الحاوي : يستحب أن يبدأ في غسل يديه من أطراف أصابعه فيجري الماء على يده ويدير كفه الأخرى عليها مجريا للماء بها إلى مرفقه ولا يكتفي بجريان الماء بطبعه ، [ ص: 427 ] فإن صب عليه غيره بدأ بالصب من مرفقه إلى أطراف الأصابع ويقف الصاب عن يساره

( الثانية ) : قال أصحابنا : إذا كان في أصبعه خاتم فلم يصل الماء إلى ما تحته وجب إيصال الماء إلى ما تحته بتحريكه أو خلعه وإن تحقق وصوله استحب تحريكه ، وروى البيهقي فيه حديثا { أن النبي صلى الله عليه وسلم : كان إذا توضأ حرك خاتمه } لكنه ضعيف ، قال البيهقي : والاعتماد على الأثر فيه عن علي وغيره ، ثم روي عن علي وابن عمر رضي الله عنهم أنهما كانا إذا توضآ حركا الخاتم

( الثالثة ) : يستحب دلك اليدين وقد سبق بيانه في غسل الوجه ، ويستحب تخليل أصابعهما وسنوضحه في مسألة تخليل الرجلين إن شاء الله تعالى . ولو كان على يده شعر كثيف لزمه غسله مع البشرة تحته لندوره ، وقد سبق بيانه في فصل الوجه .

( الرابعة ) : إذا قطعت يده فيه ثلاثة أحوال ذكرها الشافعي - رحمه الله في الأم والأصحاب : ( أحدها ) تقطع من تحت المرفق فيجب غسل باقي محل الفرض بلا خلاف .

( والثاني ) يقطع فوق المرفق فلا فرض ، عليه ويستحب غسل الباقي كما سبق .

( الثالث ) يقطع من نفس المرفق بأن يغسل الذراع ويبقى العظمات ، فنقل الربيع في الأم أنه يجب غسل ما بقي من المرفق وهو العظمات ، ونقل المزني في المختصر أنه لا يجب ، وحكى عن القديم أنه لا يجب . واختلف الأصحاب فيه على طريقين ( أحدهما ) يجب غسله قولا واحدا وبهذا قطع الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وباقي العراقيين أو أكثرهم ، قالوا : وغلط المزني في النقل وكان صوابه أن يقول : قطع من فوق المرفق ، فأسقط لفظة فوق .

( والطريق الثاني ) فيه قولان وهذا مشهور عند الخراسانيين ، وقطع به المتولي ، والغزالي في الوجيز ، أصح القولين وجوبه واختلفوا في أصل القولين فقيل : هما مبنيان على أن غسل العظمات المحيطين بإبرة الذراع كان قبل القطع تبعا للإبرة أم مقصودا ؟ وفيه قولان ، فإن قلنا : تبعا لم يجب وإلا وجب ، وقيل : مبنيان على أن حقيقة المرفق ماذا ؟ [ ص: 428 ] ففي قول هو إبرة الذراع الداخلة بين ذينك العظمات ، وفي قول هو الإبرة مع العظمات ، فعلى الأول لا يجب ، وعلى الثاني يجب والله أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية