صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( ثم يمسح رأسه وهو فرض لقوله تعالى - : { وامسحوا برءوسكم } والرأس ما اشتمل عليه منابت الشعر المعتاد والنزعتان منه ، لأنه في منبت الناصية والصدغ من الرأس ; لأنه من منابت شعره ) .


( الشرح ) يقال : مسح برأسه ومسح رأسه ، والنزعتان بفتح النون والزاي هذه اللغة الفصيحة المشهورة ، وحكيت لغة بإسكان الزاي ، وقد بسطت الكلام فيهما في تهذيب الأسماء واللغات ، والنزعتان هما الموضعان المحيطان بالناصية في جانبي الجبينين اللذين ينحسر شعر الرأس عنهما في بعض الناس ، وأما الناصية فهي الشعر بين النزعتين ذكره القاضي أبو الطيب في تعليقه والشيخ نصر في الانتخاب وحكاه عن أهل اللغة قال ابن فارس : هي قصاص الشعر وجمعها نواص ، ويقال للناصية ناصاة بلغة طيئ كما يقولون للجارية جارة ونحوه .

أما حكم المسألة : فمسح الرأس واجب بالكتاب والسنة والإجماع ، وقوله ( والرأس ما اشتملت عليه منابت الشعر المعتاد ) هكذا قاله أصحابنا ، وقوله : " والنزعتان منه " هذا مذهبنا نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب وبه قال جمهور العلماء ، وحكى الماوردي وغيره عن قوم من العلماء أنهم قالوا : النزعتان من الوجه لذهاب الشعر عنهما واتصالهما بالوجه ، ودليلنا أنهما داخلتان في حد الرأس فكانتا منه وليس ذهاب الشعر مخرجا لهما عن حكم الرأس كما لو ذهب شعر ناصيته ، قال الماوردي : والعرب مجمعة على أن النزعة من الرأس ، وذلك ظاهر في شعرهم ، ونص الشافعي في الأم على استحباب غسل النزعتين مع الوجه ، ونقل النص عنه الشيخ أبو حامد والمحاملي وغيرهما قالوا : وإنما استحب ذلك للخروج من خلاف من أوجب غسلهما مع الوجه ، والله أعلم .

وأما الصدغ فهو بالصاد ويقال بالسين ، لغتان الصاد أشهر وهو المحاذي [ ص: 429 ] لرأس الأذن نازلا إلى أول العذار ، هكذا ضبطه صاحب البحر وآخرون . وقال الشيخ أبو حامد : هو المحاذي لرأس الأذن وموضع التحذيف قال : وربما تركه بعض الناس عند الحلق قال : وينبغي ألا يترك . واختلف أصحابنا فيه فقطع المصنف والأكثرون بأن الصدغ من الرأس ، ممن قطع بذلك الشيخ أبو حامد والبندنيجي والمحاملي وسليم الرازي في الكفاية والقاضي حسين وابن الصباغ والشيخ نصر والبغوي وآخرون ، وحكى الماوردي فيه ثلاثة أوجه : ( أحدها ) من الرأس .

( والثاني ) من الوجه .

( والثالث ) وهو قول أبي الفياض وجمهور البصريين أن ما استعلى على الأذنين منه فهو من الرأس ، وما انحدر عنهما فمن الوجه ، قال الروياني : هذا الثالث هو الصحيح وقال صاحب المستظهري : هذا الثالث ظاهر الفساد . وأنكر الشيخ أبو عمرو على الجمهور كونهم قطعوا بأنه من الرأس وقال : الذي رأيته منصوصا صريحا للشافعي في مختصر الربيع ومختصر البويطي أن الصدغ من الوجه ، ثم ذكر كلام الماوردي والروياني ثم قال : والمذهب ما نقلته عن النص وكأن من خالفه لم يطلع عليه إلا السرخسي صاحب الأمالي فاطلع عليه وتأوله ، وقال : أراد بالصدغ العذار وهذا متروك عليه ، هذا كلام أبي عمرو .

وقد قال أبو العباس بن سريج في كتابه الأقسام وابن القاص في التلخيص والقفال في شرح التلخيص : الصدغان من الوجه لكن ظاهر كلامهم أنهم أرادوا بالصدغ العذار . فإن ابن القاص قال : وإذا لم يصل الماء بشرة وجهه أجزأه إن كان شعره كثيرا إلا في أربعة مواضع : الحاجبين والشاربين والعنفقة ومواضع الصدغين . هذا لفظ ابن القاص ، ولفظ القفال مثله ، وزاد القفال بيانا فقال في أحد تعليلي ذلك : لأن الوجه أحاط بالصدغين من وجهين ; لأن البياض الذي وراء الصدغ إلى الأذن من الوجه ، وهذا تصريح بأن مرادهم بالصدغ العذار ، فبهذا علل الأصحاب غسل العذار في أحد التعليلين كما سبق . وأما نص الشافعي في البويطي فمحتمل أنه أراد بالصدغ العذار كما قال السرخسي ، وكذا تأوله البندنيجي ، فإن الشافعي قال : وإذا غسل الأمرد [ ص: 430 ] وجهه غسله كله ولحيته وصدغه إلى أصول أذنيه . وإذا غسل الملتحي وجهه غسل ما أقبل من شعر اللحية إلى وجهه وأمر الماء على الصدغ وما خلف الصدغ إلى الأذن ، فإن ترك من هذا شيئا أعاد . هذا نصه بحروفه ومن مختصر الربيع والبويطي نقلته . ونقل الروياني في البحر نصه في البويطي بحروفه ثم قال : قال أصحابنا أراد بالصدغ هنا العذار .

( قلت ) : وهذا تأويل صحيح وهو ظاهر ، ولعل سبب هذا الخلاف الاختلاف في تحقيق ضبط الصدغ وتحديده والله أعلم . وروى أبو داود بإسناد حسن عن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فمسح رأسه ما أقبل منه وأدبر وصدغيه وأذنيه مرة واحدة }

التالي السابق


الخدمات العلمية