صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإذا فرغ من الرمي يذبح هديه إن كان معه ، لما روى جابر { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى سبع حصيات من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر فنحر } ويجوز النحر في جميع منى ، لما روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { منى كلها منحر } )


( الشرح ) حديثا جابر رواهما مسلم ، قال أصحابنا فإذا فرغ من الرمي انصرف فنزل في موضع من منى ، وحيث نزل منها جاز ، لكن أفضلها منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وما قاربه ، وذكر الأزرقي أن منزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى عن يسار مصلى الإمام ، فإذا نزل ذبح ونحر الهدي إن كان معه هدي .

واعلم أن سوق الهدي لمن قصد مكة حاجا أو معتمرا سنة مؤكدة ، وقد أعرض الناس أو أكثرهم عنها في هذه الأزمان ، والأفضل أن يكون هديه معه من الميقات مشعرا مقلدا ، ولا يجب الهدي إلا بالنذر ، والأفضل سوق الهدي من بلده ، فإن لم يكن فمن طريقه ، وإلا فمن الميقات أو ما بعده ، وإلا فمن منى . ويستحب للرجل أن يتولى ذبح هديه وأضحيته بنفسه ، وينوي عند ذبحها ، فإن كان منذورا نوى الذبح عن هديه أو أضحيته المنذورة ، وإن كان تطوعا نوى التقرب به ، ولو استناب في ذبحه جاز ويستحب أن يخص عند الذبح ، ويستحب أن يكون النائب ذكرا مسلما ، فإن استناب امرأة [ ص: 181 ] أو كتابيا جاز لأنهما من أهل العبادة . والمرأة الحائض والنفساء أولى من الكتابي .

وينوي صاحب الهدي والأضحية عند الدفع إلى الوكيل أو عند ذبحه . فإن فوض النية إلى الوكيل جاز إن كان مسلما . فإن كان كافرا لم يصح لأنه ليس من أهل النية في العبادات . بل ينوي صاحبها عند دفعها إليه أو عند ذبحه .

وأما صفة الذبح وآدابه وتقليد الهدي وإشعاره وغير ذلك من أحكامه فسنوضحها في باب الهدي إن شاء الله تعالى .

وأما وقت ذبح الهدي ففيه وجهان مشهوران ( أصحهما ) وبه قطع العراقيون وجماعات من غيرهم أنه كوقت الأضحية يختص بيوم العيد وأيام التشريق ويدخل بعد طلوع شمس يوم النحر ومضي قدر صلاة العيد والخطبتين ويخرج بخروج أيام التشريق ، فإن خرجت ولم يذبحه فإن كان نذرا لزمه ذبحه ويكون قضاء ، وإن كان تطوعا فقد فات الهدي في هذه السنة ، فإن ذبحه قال الشافعي والأصحاب كان شاة لحم لا هديا .

( والوجه الثاني ) حكاه الخراسانيون أنه لا يختص بزمان بل يجوز قبل يوم النحر وفيه وبعد أيام التشريق ، كدماء الجبرانات ، والمذهب الأول واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أن ذبح الهدي يختص بالحرم ، ولا يجوز في غيره ، واتفقوا على أنه يجوز في أي موضع شاء من الحرم ، ولا يختص بمنى قال الشافعي رحمه الله : الحرم كله منحر حيث نحر منه أجزأه في الحج والعمرة ، لكن السنة في الحج أن ينحر بمنى لأنها موضع تحلله ، وفي العمرة بمكة وأفضلها عند المروة لأنها موضع تحلله ، والله أعلم .

وأما قول المصنف " يجوز النحر في جميع منى ، فعبارة ناقصة لأنه يوهم الاختصاص بمنى دون سائر الحرم ، وهذا الإيهام غلط ، وكان [ ص: 182 ] ينبغي أن يقول : يجوز في كل الحرم وأفضله منى . وأفضلها موضع نحر النبي صلى الله عليه وسلم وما قاربه . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية