صفحة جزء
فصل قال أبو عمرو : المفتون قسمان : مستقل وغيره ، فالمستقل شرطه مع ما ذكرناه أن يكون قيما بمعرفة أدلة الأحكام الشرعية عن الكتاب والسنة والإجماع والقياس ، وما التحق بها على التفضيل ، وقد فصلت في كتب الفقه فتيسرت ولله الحمد ، وأن يكون عالما بما يشترط في الأدلة ، ووجوه دلالتها ، وبكيفية اقتباس الأحكام منها ، وهذا يستفاد من أصول الفقه ، عارفا من علوم القرآن ، والحديث ، والناسخ والمنسوخ ، والنحو واللغة والتصريف ، واختلاف العلماء واتفاقهم بالقدر الذي يتمكن معه من الوفاء بشروط الأدلة والاقتباس منها ، ذا دربة وارتياض في استعمال ذلك ، عالما بالفقه ضابطا لأمهات مسائله وتفاريعه ، فمن جمع هذه الأوصاف فهو المفتي المطلق المستقل ، الذي يتأدى به فرض الكفاية . وهو المجتهد المطلق المستقل ; لأنه يستقل بالأدلة بغير تقليد وتقيد بمذهب أحد ، قال أبو عمرو : وما شرطناه من حفظه لمسائل الفقه لم يشترط في كثير من الكتب المشهورة ; لكونه ليس شرطا لمنصب الاجتهاد ; لأن الفقه ثمرته فيتأخر عنه ، وشرط الشيء لا يتأخر عنه ، وشرطه الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني وصاحبه أبو منصور البغدادي وغيرهما ، واشتراطه في المفتي الذي يتأدى به فرض الكفاية هو الصحيح وإن لم يكن كذلك في المجتهد المستقل . ثم لا يشترط أن يكون جميع الأحكام على ذهنه ، بل يكفيه كونه حافظا المعظم ، متمكنا من إدراك الباقي على قرب . وهل يشترط أن يعرف من الحساب ما يصحح به المسائل الحسابية الفقهية ؟ حكى أبو إسحاق وأبو منصور فيه خلافا لأصحابنا ، والأصح اشتراطه ، ثم إنما نشترط اجتماع العلوم المذكورة في مفت مطلق في جميع أبواب الشرع . فأما مفت في باب خاص كالمناسك والفرائض فيكفيه معرفة ذلك الباب ، كذا قطع به الغزالي وصاحبه ابن برهان ( بفتح الباء ) وغيرهما ، ومنهم من منعه مطلقا وأجازه ابن الصباغ في الفرائض خاصة والأصح جوازه مطلقا .

التالي السابق


الخدمات العلمية