صفحة جزء
[ ص: 241 ] قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن كان محرما بالعمرة وحدها وأراد دخول مكة فعل ما ذكرناه في الدخول للحج . فإذا دخل مكة طاف وسعى وحلق ، وذلك جميع أفعال العمرة والدليل عليه ما روت عائشة رضي الله عنها قالت { خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا من أهل بالحج ، ومنا من أهل بالعمرة ، ومنا من أهل بالحج والعمرة ، وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج ، فأما من أهل بالعمرة فأحلوا حين طافوا بالبيت وبين الصفا والمروة ، وأما من أهل بالحج والعمرة فلم يحلوا إلى يوم النحر } وإن كان قارنا بين الحج والعمرة فعل ما يفعله المفرد بالحج ، فيقتصر على طواف واحد وسعي واحد ، والدليل عليه ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم : قال { من جمع بين الحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد وسعي واحد ، ولأنه يدخل فيهما بتلبية واحدة ، ويخرج منهما بحلق واحد . فوجب أن يطوف لهما طوافا واحدا ، ويسعى لهما سعيا واحدا كالمفرد بالحج } ) .


( الشرح ) حديث عائشة رواه البخاري ومسلم ( وأما ) حديث { من جمع بين الحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد وسعي واحد } فصحيح رواه الترمذي والبيهقي ، وسبق بيانه ، وبيان حديث عائشة الأول ، وغيرهما مما في معناهما في فرع من فروع مذاهب العلماء ، عقب مسائل طواف القدوم ، وذكرنا هناك مذاهب العلماء في هذه المسألة وأدلتها والجواب عنها ( وقول المصنف ) لأنه يدخل فيهما بتلبية واحدة إلى آخره فهو إلزام لأبي حنيفة بما يوافق عليه فإنه أوجب على القارن طوافين وسعيين ، ووافق على أنه يكفيه إحرام واحد وحلق واحد .

( أما الأحكام ) ففي الفصل مسألتان ( إحداهما ) القارن يفعل ما يفعله المفرد للحج ، فيقتصر على ما يقتصر عليه المفرد ، ولا يزيد عليه شيئا أصلا ، فيكفيه للإفاضة طواف واحد ، ويكفيه ( سعي واحد ) إما بعد طواف القدوم وإما بعد الإفاضة ، وهذا لا خلاف عندنا فيه ، وبه قال أكثر العلماء كما قدمته في الموضع الذي ذكرته . قال أصحابنا : ويستحب أن يطوف القارن للإفاضة طوافين ويسعى سعيين ، ليخرج من خلاف العلماء .

[ ص: 242 ] الثانية ) إذا كان محرما بالعمرة وحدها وأراد دخول مكة فعل ما ذكره في الدخول للحج من الآداب ، فإذا دخل طاف وسعى وحلق وقد تمت عمرته ، هذا إذا قلنا بالمذهب إن الحلق نسك ( فإن قلنا ) ليس هو نسكا كفاه الطواف والسعي وقد حل ، قال الشافعي والأصحاب : صفة الإحرام بالعمرة صفة الإحرام بالحج ، في استحباب الغسل للإحرام ولدخول مكة والتطيب والتنظف عند إرادة الإحرام وما يلبسه وما يحرم عليه من اللباس والطيب والصيد وإزالة الشعر والظفر والوطء والمباشرة بشهوة ، ودهن الرأس واللحية وغير ذلك مما سبق ، فإن كان في غير مكة أحرم من ميقات بلده حين يبتدئ السير ، كما سبق في الحج ، وإن كان في مكة وأراد العمرة استحب له أن يطوف بالبيت ويصلي الركعتين ، ويستلم الحجر الأسود ، ثم يخرج من الحرم إلى الحل فيغتسل هناك للإحرام . ويلبس ثوبين للإحرام ، ويصلي ركعتيه ، ويحرم بالعمرة إذا سار على أصح القولين وفي القول الآخر يحرم عقب الصلاة ويلبي ، ويستمر في السير ملبيا ، وكل هذه الأمور كما سبق في الحج ، ولا يزال يلبي حتى يبدأ في الطواف فيقطع التلبية بأول شروعه فيه ، ويرمل في الطوفات الثلاث الأول من السبع ويمشي في الأربع كما سبق في طواف القدوم ، فإذا فرغ من الطواف صلى ركعتيه خلف المقام ، ثم عاد إلى الحجر الأسود فاستلمه ، ثم يخرج من باب الصفا فيسعى بين الصفا والمروة كما وصفناه في الحج ، وشروط سعيه وآدابه هناك كما سبق في الحج ، فإذا تم سعيه حلق أو قصر عند المروة ، فإذا فعل هذا تمت عمرته وحل منها حلا واحدا ، وقد سبق أنه ليس لها إلا تحلل واحد ، وهذا لا خلاف فيه . قال الشافعي والأصحاب : فإن كان معه هدي استحب ذبحه بعد السعي وقبل الحلق ، وحيث نحر من مكة أو سائر الحرم أجزأه ، لكن [ ص: 243 ] الأفضل عند المروة ، لأنها موضع تحلله ، كما يستحب للحاج الذبح بمنى لأنها موضع تحلله والله أعلم .

ولو جامع المحرم بالعمرة قبل التحلل فسدت عمرته حتى لو طاف وسعى وحلق شعرتين فجامع قبل إزالة الشعرة الثالثة فسدت عمرته إن قلنا الحلق نسك ، وحكم فسادها كفساد الحج فيجب المضي في فاسدها ويجب القضاء والبدنة والله أعلم .

ولو أحرم بالعمرة من نفس مكة صح إحرامه وكان مسيئا ويلزمه الخروج إلى أدنى الحل ، فإن لم يخرج بل طاف وسعى وحلق فقولان ( أصحهما ) يجزئه وعليه دم ، وقد سبقت المسألة مستقصاة بفروعها حيث ذكرها المصنف في آخر باب المواقيت ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية