صفحة جزء
[ ص: 281 ] قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن أخطأ الناس الوقوف فوقفوا في اليوم الثامن أو العاشر لم يجب عليهم القضاء ، لأن الخطأ في ذلك إنما يكون بأن يشهد اثنان برؤية الهلال قبل الشهر بيوم ، فوقفوا في الثامن بشهادتهما ثم بان كذبهما ، أو يغم الهلال فوقفوا في اليوم العاشر ، ومثل هذا لا يؤمن في القضاء فسقط ) .


( الشرح ) قال أصحابنا : إذا غلطوا في الوقوف نظر إن غلطوا في المكان ، فوقفوا في غير أرض عرفات ، يظنونها عرفات لم يجزهم بلا خلاف لتفريطهم ، وإن غلطوا في الزمان بيومين بأن وقفوا في السابع أو الحادي عشر لم يجزهم بلا خلاف لتفريطهم ، وإن غلطوا بيوم واحد ، فوقفوا في اليوم العاشر من ذي الحجة أجزأهم وتم حجهم ولا قضاء . هذا إذا كان الحجيج على العادة ، فإن قلوا أو جاءت طائفة يسيرة فظنت أنه يوم عرفة وأن الناس قد أفاضوا فوجهان مشهوران حكاهما المتولي والبغوي وآخرون ( أصحهما ) لا يجزئهم ، وبه قطع المصنف في التنبيه وآخرون ، لأنهم مفرطون ، ولأنه نادر يؤمن مثله في القضاء ( والثاني ) يجزئهم كالجمع الكثير . قال أصحابنا : وحيث قلنا : يجزئهم فلا فرق بين أن يتبين الحال بعد اليوم العاشر أو في أثناء الوقوف . ولو بان الحال في اليوم العاشر قبل زوال الشمس فوقفوا عالمين بالحال . قال البغوي : المذهب أنه لا يحسب وقوفهم ، لأنهم وقفوا متيقنين الخطأ بخلاف ما لو علموا في حال الوقوف فإنه يجزئهم لأن وقوفهم قبل العلم وقع مجزئا . هذا كلام البغوي ، وأنكر عليه الرافعي وقال : هذا غير مسلم له ، لأن عامة الأصحاب قالوا : لو قامت بينة برؤية الهلال ليلة العاشر وهم بمكة بحيث لا يمكنهم الوقوف في الليل وقفوا من الغد وحسب لهم الوقوف ، كما لو قامت البينة بعد الغروب يوم الثلاثين من رمضان برؤية الهلال ليلة الثلاثين ، فإن الشافعي نص أنهم يصلون من الغد العيد ، فإذا لم يحكم بالفوات لقيام البينة ليلة [ ص: 282 ] العاشر لزمه مثله يوم العاشر - هذا كلام الرافعي ، وهذا الذي قاله هو الصحيح خلاف ما قاله البغوي والله أعلم .

قال أصحابنا : لو شهد واحد أو جماعة رؤية هلال ذي الحجة فردت شهادتهم لزم الشهود الوقوف في اليوم التاسع عندهم والناس يقفون بعده ، فلو اقتصروا على الوقوف مع الناس في اليوم الذي بعده لم يصح وقوف الشهود بلا خلاف عندنا . وحكى أصحابنا عن محمد بن الحسن أنه قال : يلزمهم الوقوف مع الناس ، أي وإن كانوا يعتقدونه العاشر . قال : ولا يجزئهم التاسع عندهم . دليلنا أنهم يعتقدون هذا اليوم الذي يقف الناس فيه العاشر فلم يجز وقوفهم فيه ، كما لو قبلت شهادتهم . هذا كله إذا غلطوا فوقفوا في العاشر . أما إذا غلط الحجيج فوقفوا في الثامن بأن شهد بالرؤية فساق أو كفار أو عبيد ولم يعلم حالهم ثم علم ، فإن بان الحال قبل فوات وقت الوقوف لزمهم الوقوف فيه لتمكنهم منه ، وإن بان بعده فوجهان مشهوران في طريقتي العراقيين والخراسانيين ( أحدهما ) يجزئهم كالعاشر وبهذا قطع المصنف والعبدري ، ونقله صاحب البيان عن أكثر الأصحاب ( وأصحهما ) لا يجزئهم لأنه نادر ، وبهذا قطع ابن الصباغ والروياني وكثيرون .

وصححه البغوي والمتولي والرافعي وآخرون فهو الصحيح المختار ، والخلاف هنا كالخلاف فيمن اجتهد فصلى أو صام فبان قبل الوقت ، والصحيح هناك أيضا أنه لا يجزئه . والله أعلم

( فرع ) قال الروياني : قال والدي رحمه الله : إذا أحرم الناس بالحج في أشهر الحج بالاجتهاد فبان الخطأ في الاجتهاد خطأ عاما ففي انعقاد الإحرام بالحج وجهان ( أحدهما ) ينعقد كما لو وقفوا في اليوم العاشر غلطا ، ووجه الشبه أن كل واحد منهما ركن يفوت الحج بفواته ( والثاني ) لا ينعقد حجا وينعقد عمرة ، والفرق أنا لو أبطلنا الوقوف في [ ص: 283 ] العاشر أبطلناه من أصله ، وفيه إضرار . وأما هنا فينعقد عمرة ، والله أعلم .

( فرع ) في مذاهب العلماء في الغلط في الوقوف اتفقوا على أنهم إذا غلطوا فوقفوا في العاشر وهم جمع كثير على العادة أجزأهم ، وإن وقفوا في الثامن فالأصح عندنا لا يجزئهم ، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه ، والأصح من مذهب مالك وأحمد أنه لا يجزئهم

التالي السابق


الخدمات العلمية