صفحة جزء
[ ص: 318 ] قال المصنف رحمه الله تعالى ( إذا أحرم ثم ارتد ففيه قولان ( أحدهما ) يبطل إحرامه ، لأنه إذا أبطل الإسلام الذي هو أصل فلأن يبطل الإحرام الذي هو فرع أولى ( والثاني ) لا يبطل كما لا يبطل بالجنون والموت ، فعلى هذا إذا رجع إلى الإسلام بنى عليه ) .


( الشرح ) قوله : ( فلأن يبطل الإحرام ) وهو فرع ينتقض بالوضوء فإنه فرع ولا يبطل بالردة على المذهب كما سبق بيانه في باب ما ينقض الوضوء ، وهذان الوجهان اللذان ذكرهما المصنف ( أصحهما ) عند الأكثرين يبطل . وفي المسألة وجهان آخران ، وقد سبق ذكر الأوجه الأربعة مع فروعها في باب ما يجب بمحظورات الإحرام في مسائل إفساد الحج بالجماع والله أعلم .

( فصل ) في مسائل من مذاهب العلماء في الإحصار .

( منها ) المحرم بالحج له التحلل إذا أحصره عدو بالإجماع ، ويلزمه دم وهو شاة ، هذا مذهبنا ، ومذهب أبي حنيفة وأحمد والجمهور . وعن مالك لا دم عليه دليلنا قوله تعالى { فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي } وتقرير الآية الكريمة " فإن أحصرتم " فلكم التحلل ، وعليكم " ما استيسر من الهدي " .

( فرع ) إذا أحرم بالعمرة فأحصر فله التحلل عندنا وعند الجمهور ، ومنعه مالك لأنها تفوت ، دليلنا قوله تعالى { فإن أحصرتم } ونزلت عام الحديبية حين كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أحرموا بالعمرة ، فتحللوا وذبحوا الهدايا ، وحديث هذه القصة في الصحيح مشهورة .

( فرع ) يجوز عندنا التحلل بالإحصار قبل الوقوف وبعده ، سواء أحصر عن الكعبة فقط أو عن عرفات فقط أو عنهما . وقال أبو حنيفة : لا يتحلل بالإحصار بعد الوقوف ، فإن أحصر بعد الوقوف عن الكعبة وعرفات تحلل ، وإن أحصر عن أحدهما لم يجز له التحلل ، دليلنا قوله تعالى { فإن أحصرتم } الآية ولم يفرق .

[ ص: 319 ] فرع ) ذبح هدي الإحصار حيث أحصر ، سواء كان في الحرم أو غيره وقال أبو حنيفة : لا يجوز ذبحه إلا في الحرم ، قال : ويجوز قبل النحر . وقال أبو يوسف ومحمد لا يجوز قبل يوم النحر ، دليلنا الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم { نحر هديه هو وأصحابه بالحديبية وهي خارج الحرم } .

( فرع ) إذا تحلل بالإحصار ، فإن كان حجه فرضا بقي كما كان قبل هذه السنة ، وهذا مجمع عليه ، وإن كان تطوعا لم يجب قضاؤه عندنا ، وبه قال مالك وأحمد وداود ، وقال أبو حنيفة ومجاهد والشعبي وعكرمة والنخعي : يلزمه قضاء التطوع أيضا .

( فرع ) قد ذكرنا أن مذهبنا أنه لا يجوز التحلل بالمرض وغيره سواء العذر من غير شرط ، وبه قال ابن عمر وابن عباس ومالك وأحمد وإسحاق . وقال عطاء والنخعي والثوري وأبو حنيفة وأبو ثور وداود : يجوز التحلل بالمرض وكل عذر حدث ، وسبق دليل المسألة .

( فرع ) يجوز للمكي التحلل إذا أحصر عن عرفات ، هذا مذهبنا ، وبه قال أبو ثور وابن المنذر . وقال محمد بن الحسن وغيره : لا يجوز التحلل للمكي إذا أحصر عن عرفات .

( فرع ) ذكرنا أن الأصح عندنا أنه له منع زوجته من حجة الإسلام . قال مالك وأبو حنيفة وداود : ليس له ذلك . وأما اشتراط المحرم مع المرأة في السفر فقد سبق قريبا بيانه ، ومذاهب العلماء فيه ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية