صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن ذبحه أجنبي بغير إذنه أجزأه عن النذر ، لأن ذبحه لا يحتاج إلى قصده ، فإذا فعله بغير إذنه وقع الموقع ، كرد الوديعة وإزالة النجاسة ، ويجب على الذابح ضمان ما بين قيمته حيا ومذبوحا لأنه لو أتلفه ضمنه فإذا ذبحه ضمن نقصانه كشاة اللحم ، وفيما يؤخذ منه الأوجه الثلاثة ) .


( الشرح ) قال أصحابنا : إذا نذر هديا معينا فذبحه غيره بإذنه وقع موقعه ولا شيء على الذابح ، وإن ذبحه إنسان بغير إذنه وقع الموقع أيضا وأجزأ الناذر لما ذكره المصنف ، ويلزم الذابح أرش نقصه ، وهو ما بين قيمته حيا ومذبوحا لما ذكره المصنف ، هذا هو المذهب وبه قطع المصنف والجمهور . وحكى الخراسانيون قولا أنه لا يلزم الأجنبي أرش ، لأنه لم يفوت مقصودا بل خفف مؤنة الذبح . وحكوا قولا قديما أن لصاحب الهدي أن يجعله عن الذابح ويفرق القيمة بكمالها بناء على وقف العقود ، وهذان القولان شاذان ضعيفان ، فهذا مختصر ما يتعلق بشرح كلام المصنف . وقد فرع أصحابنا في المسألة تفريعا كثيرا ، وقد لخصه الرافعي وأنا أختصر مقصوده هنا إن شاء الله تعالى .

قال : إذا ذبح أجنبي أضحية معينة ابتداء في وقت التضحية أو هديا معينا بعد بلوغ النسك فقولان ( الصحيح ) المشهور أنه يقع الموقع ، فيأخذ صاحب الأضحية لحمها فيفرقه ، لأنه [ ص: 342 ] مستحق الصرف إلى هذه الجهة ، فلا يشترط فعل صاحبه كرد الوديعة ( والثاني ) وهو قول قديم أن لصاحب الهدي والأضحية أن يجعله عن الذابح ويغرمه القيمة بكمالها ، بناء على وقف العقود ، وهذا القول ضعيف ، والمذهب الأول . فعلى المذهب هل يلزم الذابح أرش ما نقص بالذبح ، فيه طريقان ( أحدهما ) فيه قولان ، وقيل : وجهان ( أحدهما ) لا . لأنه لم يفوت مقصودا ، بل خفف مؤنة الذبح ( وأصحهما ) وهو المنصوص ، وهو الطريق الثاني ، وبه قطع الجمهور نعم ، لأن إراقة الدم مقصودة ، وقد فوتها فصار كما لو شد قوائم شاة ليذبحها ، فجاء آخر فذبحها بغير إذنه ، فإنه يلزمه أرش النقص . وقال الماوردي : عندي أنه إن ذبحه وفي الوقت سعة لزمه الأرش ، وإن ضاق الوقت فلم يبق إلا ما يسع ذبحها فذبحها فلا أرش لتعين الوقت . وإذا أوجبنا الأرش ففيه ثلاثة أوجه ( أحدها ) أنه للمهدي لأنه ليس من نفس الهدي ولا حق للمساكين في غيره ( والثاني ) أنه للمساكين ، لأنه بدل نقصه ، ليس للمهدي إلا الأكل ( والثالث ) وهو الصحيح وبه قطع الجمهور أنه يسلك به مسلك الهدي والأضحية ، فعلى هذا يشتري به شاة ، فإن تعذرت عاد الخلاف السابق قبل هذا الفصل في أنه يشتري به جزءا من هدي وأضحية أو لحم ، أو يفرق بنفسه دراهم . هذا كله إذا ذبح الأجنبي واللحم باق ، فإن أكله أو فرقه في مصارف الهدي وتعذر استرداده فهو كالإتلاف بغير ذبح وقد سبق بيانه قريبا لأن تعيين المصروف إليه إلى المهدي والمضحي ، فعلى هذا يلزم الذابح الضمان ويأخذ المهدي منه القيمة ويشتري بها هديا ويذبحه ، هذا هو المذهب ، وفي وجه ضعيف تقع التفرقة عن المهدي كالذبح . والصحيح الأول .

[ ص: 343 ] وفي قدر الضمان الواجب قولان ( الصحيح المشهور ) واختيار الجمهور يضمن قيمته عند الذبح ، كما لو أتلفه بلا ذبح ( والثاني ) يضمن أكثر الأمرين من قيمتها وقيمة اللحم لأنه فرق اللحم متعديا ، وفيه وجه ضعيف جدا أنه يلزمه أرش الذبح وقيمة اللحم وقد يزيد الأرش مع قيمة اللحم على قيمة الشاة وقد ينقص وقد يتساويان قال أصحابنا : ولا اختصاص لهذا الخلاف بصورة الهدي والأضحية ، بل يطرد في كل من ذبح شاة غيره ثم أتلف لحمها . هذا كله تفريع على أن الشاة التي ذبحها الأجنبي تقع هديا وأضحية ، فإن قلنا لا تقع فليس على الذابح إلا أرش النقص ، وفي حكم اللحم وجهان .

( أحدهما ) أنه مستحق لجهة الأضحية والهدي ( والثاني ) يكون ملكا له ، ولو التزم هديا أو أضحية بالنذر ، ثم عين شاة عما في ذمته فذبحها أجنبي يوم النحر أو في الحرم ، فالقول في وقوعها عن الناذر ، وفي أخذه اللحم وتصدقه به وفي غرامة الذابح أرش ما نقص بالذبح على ما ذكرناه إذا كانت معينة في الابتداء ، فإن كان اللحم تالفا ، قال البغوي يأخذ القيمة ويملكها ويبقى الأصل في ذمته . قال الرافعي : وفي هذا اللفظ ما يبين أن قولنا في صورة الإتلاف بأخذ القيمة ويشتري بها مثل الأول نريد به أن يشتري بقدرها ، وأن نفس المأخوذ ملكه فله إمساكه .

( فرع ) إذا جعل شاته أضحية أو نذر الضحية بشاة معينة ، ثم ذبحها قبل يوم النحر لزمه التصدق بلحمها ، ولا يجوز له أكل شيء منه ، ويلزمه ذبح مثلها يوم النحر بدلا عنها ، وكذا لو ذبح الهدي المعين قبل بلوغ المنسك لزمه التصدق بلحمه ولزمه البدل في وقته ، ولو باع الهدي أو الأضحية المعينين فذبحه المشتري واللحم باق أخذه للبائع وتصدق به وعلى المشتري أرش ما نقص بالذبح ، ويضم البائع إليه ما يشتري به [ ص: 344 ] البدل ، وفي وجه ضعيف أنه لا يغرم المشتري شيئا لأن البائع سلطه والمذهب الأول . ولو ذبح أجنبي الأضحية المعينة قبل يوم النحر لزمه ما نقص من القيمة بسبب الذبح ، قال الرافعي : ويشبه أن يجيء فيه الخلاف في أن اللحم يصرف إلى مصارف الضحايا ؟ أم ينفك عن حكم الأضحية ويعود ملكا كما سبق فيما إذا ذبح الأجنبي يوم النحر ؟ وقلنا : لا يقع أضحية ثم ما حصل من الأرش ومن اللحم إن عاد ملكا له فيشتري به أضحية يذبحها يوم النحر ، ولو نذر أضحية ثم عين شاة عما في ذمته فذبحها أجنبي قبل يوم النحر أخذ اللحم ونقصان اللحم بالذبح وملك الجميع ، وبقي الأصل في ذمة الناذرة ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية