صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( ومن دخلت عليه عشر ذي الحجة وأراد أن يضحي فالمستحب أن لا يحلق شعره ولا يقلم أظفاره حتى يضحي ، لما روت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم { من كان عنده ذبح يريد أن يذبحه فرأى هلال ذي الحجة فلا يمس من شعره ولا من أظفاره حتى يضحي } ولا يجب عليه ذلك لأنه ليس بمحرم فلا يحرم عليه حلق الشعر وتقليم الأظفار ) .


( الشرح ) حديث أم سلمة رضي الله عنها رواه مسلم ، وسبق بيان طرقه . وقوله " ذبح " بكسر الذال أي ذبيحة . وقوله " يقلم ظفره " يجوز أن يقرأ بفتح الياء وإسكان القاف وضم اللام - ويجوز بضم الياء وفتح القاف وتشديد اللام المكسورة والأول أجود ، ولكن ظاهر كلام المصنف إرادته الثاني ، ولهذا قال : وتقليم الأظفار .

( أما الأحكام ) فقال أصحابنا : من أراد التضحية فدخل عليه عشر ذي الحجة كره أن يقلم شيئا من أظفاره وأن يحلق شيئا من شعر رأسه ووجهه أو بدنه حتى يضحي ، لحديث أم سلمة هذا . هو المذهب أنه مكروه كراهة تنزيه ، وفيه وجه أنه حرام ، حكاه أبو الحسن العبادي في كتابه الرقم ، وحكاه الرافعي عنه لظاهر الحديث . وأما قول المصنف والشيخ أبي حامد والدارمي والعبدري ومن وافقهم أن المستحب تركه ، ولم يقولوا : إنه مكروه فشاذ ضعيف مخالف لنص هذا الحديث .

[ ص: 363 ] وحكى الرافعي وجها ضعيفا شاذا أن الحلق والقلم لا يكرهان إلا إذا دخل العشر واشترط أضحية أو عين شاة أو غيرها من مواشيه للتضحية . وحكى قولا أنه لا يكره القلم ، وهذه الأوجه كلها شاذة ضعيفة ( والصحيح ) كراهة الحلق والقلم من حين تدخل العشر ، فالحاصل في المسألة أوجه ( الصحيح ) كراهة الحلق والقلم من أول العشر كراهة تنزيه ( والثاني ) كراهة تحريم ( والثالث ) المكروه الحلق دون القلم ( والرابع ) لا كراهة إنما هو خلاف الأولى ( الخامس ) لا يكره إلا لمن دخل عليه العشر وعين أضحية والمذهب الأول . والمراد بالنهي عن الحلق والقلم المنع من إزالة الظفر بقلم أو كسر أو غيره ، والمنع من إزالة الشعر بحلق أو تقصير أو نتف أو إحراق أو بنورة وغير ذلك وسواء شعر العانة والإبط والشارب ، وغير ذلك وقال إبراهيم المروروذي في كتابه التعليق : وحكم سائر أجزاء البدن حكم الشعر والظفر ، ودليله حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشرته شيئا } رواه مسلم ، والله تعالى أعلم .

قال أصحابنا : الحكمة في النهي أن يبقى كامل الأجزاء ليعتق من النار ، وقيل التشبه بالمحرم ، قال أصحابنا : وهذا غلط لأنه لا يعتزل النساء ولا يترك الطيب واللباس وغير ذلك مما يتركه المحرم ، والله أعلم .

( فرع ) مذهبنا أن إزالة الشعر والظفر في العشر لمن أراد التضحية مكروه كراهة تنزيه حتى يضحي ، وقال مالك وأبو حنيفة لا يكره ، وقال سعيد بن المسيب وربيعة وأحمد وإسحاق وداود : يحرم ، وعن مالك أنه يكره ، وحكى عنه الدارمي : يحرم في التطوع ولا يحرم في الواجب . واحتج القائلون بالتحريم بحديث أم سلمة واحتج الشافعي والأصحاب [ ص: 364 ] عليهم بحديث عائشة أنها قالت { كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقلده ويبعث به ، ولا يحرم عليه شيء أحله الله له حتى ينحر هديه } رواه البخاري ومسلم ، قال الشافعي : البعث بالهدي أكثر من إرادة التضحية ، فدل على أنه لا يحرم ذلك والله أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية