صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( ولا يجزئ في الأضحية إلا الأنعام ، وهي الإبل والبقر والغنم ، لقول الله تعالى { ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } ولا يجزئ فيها إلا الجذعة من الضأن والثنية من المعز والإبل والبقر ، لما روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا تذبحوا إلا مسنة إلا أن تعسر عليكم فاذبحوا جذعة من الضأن } وعن علي رضي الله عنه قال " لا يجوز في الضحايا إلا الثني من المعز والجذعة من الضأن " وعن ابن عباس أنه قال : " لا تضحوا بالجذع من المعز والإبل والبقر " ويجوز فيها الذكر والأنثى ، لما روت أم كرز عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { عن الغلام شاتان ، وعن الجارية شاة ، لا يضركم ذكرانا كن أو إناثا } وإذا جاز ذلك في العقيقة بهذا الخبر دل على جوازه في الأضحية ، ولأن لحم الذكر أطيب ولحم الأنثى أرطب ) .


( الشرح ) حديث جابر رواه مسلم في صحيحه بحروفه ، قال أهل اللغة المسن الثني من كل الأنعام فما فوقه ( وأما ) حديث أم كرز فرواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم ، وهو حديث حسن : وهذا المذكور في المهذب لفظ رواية النسائي .

( أما الأحكام ) فشرط المجزئ في الأضحية أن يكون من الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم ، سواء في ذلك جميع أنواع الإبل من البخاتي والعراب ، وجميع أنواع البقر من الجواميس والعراب والدربانية ، وجميع أنواع الغنم من الضأن والمعز وأنواعهما ، ولا يجزئ غير الأنعام من بقر الوحش [ ص: 365 ] وحميره ، والضبا وغيرها بلا خلاف ، وسواء الذكر والأنثى من جميع ذلك ، ولا خلاف في شيء من هذا عندنا ، ولا يجزئ من الضأن إلا الجذع والجذعة فصاعدا ، ولا من الإبل والبقر والمعز إلا الثني أو الثنية فصاعدا . هكذا نص عليه الشافعي وقطع به الأصحاب ، وحكى الرافعي وجها أنه يجزئ الجذع من المعز وهو شاذ ضعيف بل غلط ، ففي الصحيحين عن البراء بن عازب { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بردة بن نيار خال البراء بن عازب تجزئك يعني الجذعة من المعز ، ولا تجزئ أحدا بعدك } والله أعلم .

ثم الجذع ما استكمل سنة على أصح الأوجه ، والوجه الثاني ما استكمل ستة أشهر ، والثالث ثمانية أشهر ، والرابع إن كان متولدا بين شابين فستة أشهر وإلا فثمانية . وقد سبق بيان هذه الأوجه في كتاب الزكاة . وهناك ذكر المصنف سن الجذع والثني ، فلهذا أهمله هنا ، وذكره في التنبيه في البابين لكنه خالف ما صححه الجمهور . قال أبو الحسن العبادي وغيره : فإذا قلنا بالمذهب : إن الجذع ما له سنة كاملة فلو أجذع قبل تمام السنة أي سقطت سنه أجزأ في الأضحية ، كما لو تمت السنة قبل أن يذبح ويكون ذلك كالبلوغ بالسن أو الاحتلام ، فإنه يكفي فيه أسبقهما . وهكذا صرح البغوي به فقال : الجذع ما استكملت سنة أو أجذعت قبلها . وأما الثني من الإبل فما استكملت خمس سنين ودخل في السادسة ، وروى حرملة عن الشافعي أنه الذي استكمل ست سنين ودخل في السابعة . قال الروياني : وليس هذا قولا آخر للشافعي وإن توهمه بعض أصحابنا ولكنه إخبار عن نهاية سن الثني وما ذكره الجمهور هو بيان لابتداء سنة ، والله أعلم .

وأما الثني من البقر فهو ما استكمل سنتين ودخل في الثالثة ، وروى [ ص: 366 ] حرملة عن الشافعي أنه ما استكمل ثلاث سنين ودخل في الرابعة والمشهور من نصوص الشافعي الأول ، وبه قطع الأصحاب وغيرهم من أهل اللغة وغيرهم ، وأما الثني من المعز ففيه وجهان سبقا في كتاب الزكاة ( أصحهما ) ما استكمل سنتين ( والثاني ) ما استكمل سنة .

( فرع ) لا تجزئ بالمتولد من الظباء والغنم ، لأنه ليس من الأنعام .

( فرع ) في مذاهب العلماء في سن الأضحية . نقل جماعة إجماع العلماء عن التضحية لا تصح إلا بالإبل أو البقر أو الغنم . فلا يجزئ شيء من الحيوان غير ذلك ، وحكى ابن المنذر عن الحسن بن صالح أنه يجوز أن يضحي ببقر الوحش عن سبعة ، وبالضبا عن واحد . وبه قال داود في بقرة الوحش ، وأجمعت الأمة على أنه لا يجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا الثني ، ولا من الضأن إلا الجذع ، وأنه يجزئ هذه المذكورات إلا ما حكاه العبدري وجماعة من أصحابنا عن الزهري أنه قال : لا يجزئ الجذع من الضأن . وعن الأوزاعي أنه يجزئ الجذع من الإبل والبقر والمعز والضأن ، وحكى صاحب البيان عن ابن عمر كالزهري ، وعن عطاء كالأوزاعي ، هكذا نقل هؤلاء . ونقل القاضي عياض الإجماع أنه يجزئ الجذع من الضأن ، وأنه لا يجزئ جذع المعز . دليلنا على الأوزاعي حديث البراء بن عازب السابق قريبا في الصحيحين واحتج له بحديث { عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه غنما يقسمها على صحابته ضحايا ، فبقي عتود منها فذكره النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ضح أنت بها } رواه البخاري ومسلم ، قال أبو عبيد وغيره من أهل اللغة : العتود من أولاد المعز ، وهو ما رعى وقوي ، قال الجوهري وغيره : وهو ما بلغ سنة وجمعه أعتة وعدان - بإدغام التاء في الدال - قال كانت هذه رخصة لعقبة بن عامر قال : وقد روينا ذلك من رواية الليث بن سعد ، ثم ذكره [ ص: 367 ] بإسناده الصحيح عن عقبة قال { أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم غنما أقسمها ضحايا بين أصحابي فبقي عتود منها فقال ضح بها أنت ولا رخصة لأحد فيها بعدك } . قال البيهقي : وإذا كانت هذه الزيادة محفوظة كان هذا رخصة له كما رخص لأبي بردة بن نيار قال : وعلى هذا يحمل ما رويناه عن زيد بن خالد فذكره بإسناده عن زيد قال { قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه غنما فأعطاني عتودا جذعا ، فقال : ضح به فقلت : إنه جذع من المعز أضحي به ؟ قال : نعم فضحيت به } ، هذا كلام البيهقي ، وهذا الحديث الآخر رواه أبو داود بإسناد حسن وليس في رواية أبي داود المعز ، ولكنه معلوم من قوله : عتود ، وهذا التأويل الذي ذكره البيهقي متعين ، واحتج أصحابنا في إجزاء جذع الضأن بحديث جابر المذكور في الكتاب ، وهو صحيح كما سبق " وقد جاءت أحاديث كثيرة بمعناه ، ذكرها البيهقي وغيره والله أعلم .

( فرع ) إن قبل : ظاهر حديث جابر المذكور في الكتاب أن الجذعة من الضأن لا تجزئ إلا إذا عجز عن المسنة ( قلنا ) هذا مما يجب تأويله " لأن الأمة مجمعة على خلاف ظاهره كما سبق ، فإنهم كلهم جوزوا جذع الضأن إلا ما سبق عن ابن عمر والزهري وأنه لا يجزئ ، سواء قدر على مسنة أم لا ، فيحمل هذا الحديث على الأفضل والأكمل ، ويكون تقديره : مستحب لكم أن لا تذبحوا إلا مسنة ، فإن عجزتم فجذعة ضأن ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية