صفحة جزء
[ ص: 454 ] قال المصنف - رحمه الله تعالى ( ويستحب أن يبدأ باليمنى قبل اليسرى لما ذكرناه في اليد ، فإن كانت أصابعه منفرجة فالمستحب أن يخلل بينها لقوله صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة : { وخلل بين الأصابع } وإن كانت ملتفة لا يصل الماء إليها إلا بالتخليل وجب التخليل لقوله صلى الله عليه وسلم : { خللوا بين أصابعكم لا يخلل الله بينها بالنار } ) .


( الشرح ) حديث لقيط صحيح سبق بيانه في المضمضة ، والحديث الآخر رواه الدارقطني من رواية عائشة رضي الله عنها بإسناد ضعيف ، وفي التخليل أحاديث منها حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه : { توضأ فخلل بين أصابع قدميه ثلاثا قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما فعلت } رواه الدارقطني والبيهقي بإسناد جيد ، وعن ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء واجعل الماء بين أصابع يديك ورجليك } رواه أحمد بن حنبل والترمذي وقال : حديث حسن غريب . وهذا كلام الترمذي . وهذا الحديث من رواية صالح مولى التوأمة وقد ضعفه مالك فلعله اعتضد فصار حسنا كما قاله الترمذي . وعن المستورد بن شداد قال : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فخلل أصابع رجليه بخنصره } رواه أحمد بن حنبل وأبو داود والترمذي وابن ماجه والبيهقي وهو حديث ضعيف فإنه من رواية عبد الله بن لهيعة وهو ضعيف عند أهل الحديث .

( أما الأحكام ) : فهنا مسألتان : ( إحداهما ) يستحب في غسل الرجلين تقديم اليمنى بل يكره تقديم اليسرى وقد سبق بيان هذا ودليله في فصل اليدين : وقول المصنف يبدأ باليمنى قبل اليسرى هو من باب التأكيد ، ولا حاجة إلى قوله قبل اليسرى وقد سبق هذا في فصل غسل اليدين .

( المسألة الثانية ) في التخليل قال أصحابنا : إن كانت أصابع رجليه منفرجة استحب التخليل ولا يجب ، وحديث لقيط محمول على الاستحباب أو على [ ص: 455 ] ما إذا لم يصل الماء إلى ما بينها إلا بالتخليل ، وإن كانت ملتفة وجب إيصال الماء إلى ما بينها ، ولا يتعين في إيصاله التخليل ، بل بأي طريق أوصله حصل الواجب ، ويستحب مع إيصاله التخليل ، فالتخليل مستحب مطلقا وإيصال الماء واجب ، وقول المصنف وشيخه القاضي أبي الطيب والقاضي حسين والماوردي والبغوي والمتولي وغيرهم : إن كانت ملتفة وجب التخليل ، أرادوا به إيصال الماء ; لأنهم فرضوا المسألة فيما إذا لم يصل الماء إلا بالتخليل . وأما كيفية التخليل فقال الخراسانيون : يخلل بخنصر يده اليسرى ويكون من أسفل القدم مبتدئا بخنصر رجله اليمنى ويختم بخنصر اليسرى ، ممن ذكره هكذا القاضي حسين والغزالي والبغوي والمتولي وصاحب العدة وغيرهم ، وقال القاضي أبو الطيب في تعليقه : يستحب أن يخلل بخنصر يده اليمنى من تحت الرجل .

وقال إمام الحرمين : لست أرى لتعيين اليد اليمنى أو اليسرى في ذلك أصلا إلا النهي عن الاستنجاء باليمين ، وليس تخليل الأصابع مشابها له فلا حجر على المتوضئ في استعمال اليمين أو اليسار ، فإن الأمر كذلك في غسل الرجلين ، وخلل الأصابع جزء منها ، ولم يثبت عندي في تعيين إحدى اليدين شيء . وذكر الغزالي في البسيط أن مستند الأصحاب في تعيين اليسرى الاستنجاء ، ثم ذكر قول إمام الحرمين ، وذكر الرافعي هذا المشهور عن الخراسانيين من استحباب خنصر اليسرى ، ونقله عن معظم الأئمة ، ثم حكى عن أبي طاهر الزيادي أنه قال : يخلل ما بين كل أصبعين من أصابع رجليه بأصبع من أصابع يده ليكون بماء جديد ، ويترك الإبهامين فلا يخلل بهما لما فيه من العسر ، فحصل من مجموع هذا أن التخليل من أسفل الرجل ويبدأ من خنصر اليمين . وفي الأصبع التي يخلل بها أوجه : الأشهر أنها خنصر اليسرى .

( والثاني ) خنصر اليمنى ، قاله القاضي أبو الطيب .

( الثالث ) قول أبي طاهر .

( الرابع ) قول الإمام أنه لا يتعين في استحباب ذلك يد وهو الراجح المختار . هذا حكم تخليل أصابع الرجلين ، وأما أصابع اليدين فلم يتعرض له الجمهور وجاء فيه حديث ابن عباس الذي قدمناه ، ونقل الترمذي استحباب تخليلهما عن إسحاق بن راهويه ، قال الرافعي : سكت الجمهور عنه ، وقال ابن كج : [ ص: 456 ] يستحب لحديث لقيط فإن الأصابع تشملها ، وحديث ابن عباس ، قال : وعلى هذا يكون تخليلهما بالتشبيك بينهما والله أعلم .

( فرع ) في مسائل تتعلق بغسل الرجلين : ( إحداها ) اختلفوا في كيفيته المستحبة في غسلهما ، قال الشافعي - رحمه الله - في الأم : ينصب قدميه ثم يصب عليهما الماء بيمينه أو يصب عليه غيره ، هذا نصه ، وكذا قال البغوي وغيره . قال البغوي : ويدلكهما بيساره ويجتهد في دلك العقب لا سيما في الشتاء فإن الماء يتجافى عنها ، وكذا أطلق المحاملي في اللباب وآخرون استحباب الابتداء بأصابع رجله ، وقال الصيمري وصاحبه الماوردي : إن كان يصب على نفسه بدأ بأصابع رجله كما نص عليه ، وإن كان غيره يصب عليه بدأ من كعبيه إلى أصابعه . والمختار ما نص عليه وتابعه عليه الأكثرون من استحباب الابتداء بالأصابع مطلقا .

( الثانية ) : إذا كان لرجله أصبع أو قدم زائدة أو انكشطت جلدتها فحكمه ما سبق في اليد .

( الثالثة ) : إذا قطع بعض القدم وجب غسل الباقي فإن قطع فوق الكعب فلا فرض عليه ويستحب غسل الباقي كما سبق في اليد

( الرابعة ) : قال الدارمي : إذا لم يكن له كعبان قدر بقدرهما .

( الخامسة ) : قال الشافعي رضي الله عنه في الأم والأصحاب : إن كانت أصابعه ملتحمة بعضها في بعض لا يلزمه شقها بل لا يجوز لكن يغسل ما ظهر ، قال أصحابنا : فإن كان على رجله شقوق وجب إيصال الماء باطن تلك الشقوق ، وقد ذكر المصنف مثله في فصل غسل اليدين ، فإن شك في وصول الماء إلى باطنها أو باطن الأصابع لزمه الغسل ثانيا حتى يتحقق الوصول ، هذا إذا كان شكه في أثناء الوضوء ، فأما إذا شك بعد الفراغ ففيه خلاف نذكره إن شاء الله تعالى - في آخر الباب في المسائل الزائدة .

قال أصحابنا : فلو أذاب في شقوق رجليه شحما أو شمعا أو عجينا أو [ ص: 457 ] خضبهما بحناء وبقي جرمه لزمه إزالة عينه ; لأنه يمنع وصول الماء إلى البشرة ، فلو بقي لون الحناء دون عينه لم يضره ويصح وضوءه ، ولو كان على أعضائه أثر دهن مائع فتوضأ وأمس بالماء البشرة وجرى عليها ولم يثبت صح وضوءه ; لأن ثبوت الماء ليس بشرط ، صرح به المتولي وصاحبا العدة والبحر وغيرهم .

( فرع ) لو تنفطت رجله ولم تنشق كفاه غسل ظاهرها ، فلو انشقت بعد وضوئه لم يلزمه غسل ما ظهر بالانشقاق كما سبق فيمن حلق شعره بعد الطهارة ، فإن تطهر بعد ذلك لزمه غسل ما ظهر ، فإن كان قد عاد الالتحام لم يلزمه شقه والله أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية