صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن نذر المشي إلى بيت الله الحرام لزمه [ المشي ] إليه بحج أو عمرة ، لأنه لا قربة في المشي إليه إلا بنسك ، فحمل مطلق النذر عليه ، ومن أي موضع يلزمه المشي والإحرام ؟ فيه وجهان : قال أبو إسحاق . يلزمه أن يحرم ويمشي من دويرة أهله . لأن الأصل في الإحرام أن يكون من دويرة أهله ، وإنما أجيز تأخيره إلى الميقات رخصة ، فإذا أطلق النذر حمل على الأصل ، وقال عامة أصحابنا : يلزمه الإحرام والمشي من الميقات ، لأن مطلق كلام الآدمي يحمل على المعهود في الشرع والمعهود هو من الميقات ، فحمل النذر عليه ، فإن كان معتمرا لزمه المشي إلى أن يفرغ ، وإن كان حاجا لزمه المشي إلى أن يتحلل التحلل الثاني لأن بالتحلل [ ص: 490 ] الثاني يخرج من الإحرام ، فإن فاته لزمه القضاء ماشيا لأن فرض النذر يسقط بالقضاء فلزمه المشي فيه كالأداء ، وهل يلزمه أن يمشي في فائته ؟ فيه قولان ( أحدهما ) يلزمه ، لأنه لزمه بحكم النذر ، فلزمه المشي فيه ، كما لو لم يفته ( والثاني ) لا يلزمه لأن فرض النذر لا يسقط به ) .


( الشرح ) قال الشافعي والأصحاب : إذا نذر المشي إلى بيت الله الحرام لزمه المشي إليه بحج أو عمرة ، هذا هو الصواب الذي قطع به الأصحاب ، وسبق حكاية خلاف شاذ فيه في فصل من نذر صلاة في المسجد ، وهل يلزمه المشي ، أم له الركوب ؟ فيه قولان مشهوران في كتب الخراسانيين ( أصحهما ) عندهم يلزمه ، وبه قطع المصنف وآخرون ، لأنه مقصود ( والثاني ) لا ، بل له الركوب قالوا : هما مبنيان على أن الحج راكبا أفضل أم ماشيا ، وفيه ثلاثة أقوال سبقت في أول كتاب الحج بدليلها ( أصحها ) الركوب ( والثاني ) المشي ( والثالث ) هما سواء ، ولا فضيلة لأحدهما على الآخر ، وقال ابن سريج : هما سواء ما لم يحرم فإذا أحرم فالمشي أفضل ، وقال الغزالي في الإحياء : من سهل عليه المشي فهو أفضل في حقه ، ومن ضعف وساء خلقه لو مشي فالركوب أفضل .

( والمذهب ) أن الركوب أفضل مطلقا ، قالوا : فإن قلنا : " المشي أفضل " لزمه بالنذر ، وإن قلنا : الركوب أفضل أو سوينا لم يلزمه المشي بالنذر ، والمذهب لزوم المشي ، ويتفرع عليه مسائل : ( إحداها ) لو صرح بابتداء المشي من دويرة أهله إلى الفراغ ، لزمه المشي من حين يحرم ، وهل يلزمه قبل الإحرام ؟ فيه وجهان ( أصحهما ) يلزمه ، فلو أطلق الحج ماشيا ، فإن قلنا لا يلزمه المشي من دويرة أهله مع التصريح فهنا أولى وإلا فثلاثة أوجه .

( أحدها ) يلزمه المشي من دويرة أهله ، وهو قول أبي إسحاق ( والثاني ) من الميقات ( والثالث ) وهو الأصح يلزمه من الميقات ، إلا أن يحرم قبله فيلزمه ( وأما ) الإحرام فالأصح أنه يلزمه من الميقات ، وهو قول جمهور أصحابنا كما حكاه المصنف [ ص: 491 ] والثاني ) من دويرة أهله حكاه المصنف والأصحاب عن أبي إسحاق ، وجعل المصنف والمتولي وغيرهما المشي مبنيا على الإحرام إن قلنا يلزمه الإحرام من الميقات فكذا المشي وإن قلنا من دويرة أهله فكذا المشي ، هذا كله إذا قال : لله علي أن أحج ماشيا فلو قال : أمشي حاجا فوجهان ( الصحيح ) أنه كقوله أحج ماشيا ، ومقتضى كل واحد منهما وجوب اقتران الحج والمشي ( والثاني ) أنه يقتضي أن يمشي من مخرجه إلى الحج .

( الثانية ) في نهاية المشي طريقان ( أصحهما ) يلزمه المشي حتى يتحلل التحللين إن كان محرما بالحج ، وبهذا الطريق قطع المصنف هنا والجمهور ، وهو المنصوص ، وله الركوب بعد التحللين ، وإن بقي عليه رمي أيام التشريق ، وهذا لا خلاف فيه ( والطريق الثاني ) فيه وجهان حكاهما إمام الحرمين والغزالي وغيرهما ( أصحهما ) هذا ( والثاني ) له الركوب بعد التحلل الأول ( وأما ) المحرم بالعمرة فيلزمه المشي حتى يفرغ منها بلا خلاف . قال الرافعي : والقياس أنه إذا كان يتردد في خلال أعمال النسك لغرض تجارة وغيرها ، فله أن يركب ، قال : ولم يذكره الأصحاب ، فهذا ما ذكره ما لأصحاب في هذه المسألة .

وأما قول المصنف في التنبيه : ولا يجوز أن يترك المشي حتى يرمي في الحج ، فمخالف لما ذكره هو هنا والأصحاب في جميع الطرق ، وأقرب ما يتأول عليه كلامه أنه أراد بالرمي رمي جمرة العقبة يوم النحر ، وفرع على أن الحلق ليس بنسك وعلى الوجه الشاذ الذي ذكره إمام الحرمين والغزالي أنه يكفيه المشي حتى يتحلل التحلل الأول ، فعلى هذا الوجه إذا رمى جمرة العقبة وقلنا : الحلق ليس بنسك جاز الركوب لحصول التحلل الأول ، ولا يجوز أن يحمل كلامه على رمي أيام التشريق ، لأنه لا خلاف أنه يجوز الركوب بعد التحللين ، وقبل أيام التشريق والله تعالى أعلم .

( الثالثة ) إذا فاته الحج لزمه قضاؤه ماشيا لما ذكره المصنف ، وهل [ ص: 492 ] يلزمه المشي في تمام الحجة الفائتة حتى يفرغ منها ؟ والتحلل بأعمال عمرة ؟ فيه قولان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما ( أصحهما ) عند الجمهور لا يلزمه ، ولو أفسد الحج بعد شروعه فيه لزمه القضاء ماشيا ، وهل يلزمه المشي في المضي في فاسده ؟ فيه هذان القولان .

التالي السابق


الخدمات العلمية