صفحة جزء
قال المصنف رحمه الله تعالى ( وإن نذر المشي إلى بيت الله تعالى ، ولم يقل الحرام ولا نواه ، فالمذهب أنه يلزمه لأن البيت المطلق بيت الله الحرام فحمل مطلق النذر عليه ، ومن أصحابنا من قال : لا يلزمه لأن البيت يقع على المسجد الحرام وعلى سائر المساجد ، فلا يجوز حمله على البيت الحرام ، فإن نذر المشي إلى بقعة من الحرم لزمه المشي بحج أو عمرة لأن قصده لا يجوز من غير إحرام فكان إيجابه إيجابا للإحرام ، وإن نذر المشي إلى عرفات لم يلزمه ، لأنه يجوز قصده من غير إحرام فلم يكن في نذره المشي إليه أكثر من إيجاب المشي ، وذلك ليس بقربة فلم يلزمه . وإن نذر المشي إلى مسجد غير المسجد الحرام ومسجد المدينة والمسجد الأقصى لم يلزمه ، لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، والمسجد الأقصى ، ومسجدي [ ص: 497 ] هذا } وإن نذر المشي إلى المسجد الأقصى أو مسجد المدينة ففيه قولان ، قال في البويطي : يلزمه لأنه مسجد ورد الشرع بشد الرحال إليه فلزمه المشي إليه بالنذر كالمسجد الحرام ، وقال في الأم : لا يلزمه لأنه مسجد لا يجب قصده بالنسك فلم يجب المشي إليه بالنذر كسائر المساجد ) .


( الشرح ) حديث أبي سعيد رواه البخاري ومسلم ، وسبق بيانه مع أحاديث نحوه في أوائل هذا الباب ، وقوله " ولم يقل الحرام " الحرام بكسر الميم .

( أما الأحكام ) فسبق بيان حكم نذر المشي إلى المسجد الحرام وسائر المساجد ومسجد المدينة والأقصى ، وأوضحنا أحكامها بفروعها ، وسبق أيضا بيان الخلاف فيمن نذر المشي إلى بيت الله ولم يقل : الحرام ولا نواه . ولكن اختار المصنف انعقاد النذر ولزوم الذهاب إلى المسجد الحرام بحج أو عمرة ( والصحيح ) الذي صححه جماهير الأصحاب في الطريقين أنه لا ينعقد نذره ولا يلزمه شيء وكذا صححه المصنف في التنبيه كما صححه الجمهور ، فالمذهب أنه لا ينعقد نذره ولا شيء عليه . واختلفوا في هذا الخلاف هل هو وجهان أو قولان ؟ قالوا : نقل المزني في المختصر أنه يلزمه ونص الشافعي في الأم أنه لا ينعقد نذره ونص المختصر ظاهر لا صريح . ونص الأم لا . لأنه قال في المختصر : إن نذر أن يمشي إلى بيت الله لزمه . وقال في الأم : إذا نذر أن يمشي إلى بيت الله ولا نية له فالاختيار أن يمشي إلى بيت الله الحرام ولا يجب عليه ذلك إلا أن ينوي ، لأن المساجد بيوت الله . هذا نصه . قال ابن الصباغ : ففي المسألة قولان لكنها مشهورة بالوجهين . وممن صرح أن الأصح أنه لا ينعقد نذره المحاملي في كتبه والقاضي أبو الطيب في المجرد والجرجاني والرافعي وآخرون . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية