صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى - ويكره أكل الجلالة ، وهي التي أكثر أكلها العذرة من ناقة أو بقرة أو شاة أو ديك أو دجاجة ، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ألبان الجلالة } ولا يحرم أكلها لأنه ليس فيه أكثر من تغير لحمها وهذا لا يوجب التحريم ، فإن أطعم الجلالة طعاما طاهرا وطاب لحمها لم يكره ، لما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( تعلف الجلالة علفا طاهرا إن كانت ناقة أربعين يوما ، وإن كانت شاة سبعة أيام ، وإن كانت دجاجة فثلاثة أيام )


( الشرح ) حديث ابن عباس صحيح رواه أبو داود والترمذي والنسائي بأسانيد صحيحة ، قال الترمذي : هو حديث حسن صحيح ، قال أصحابنا : الجلالة هي التي تأكل العذرة والنجاسات ، وتكون من الإبل والبقر والغنم والدجاج ، وقيل : إن كان أكثر أكلها النجاسة فهي جلالة ، وإن كان الطاهر أكثر فلا ، والصحيح الذي عليه الجمهور أنه لا اعتبار بالكثرة ، وإنما الاعتبار بالرائحة والنتن فإن وجد في عرفها وغيره ريح النجاسة فجلالة ، وإلا فلا ، وإذا تغير لحم الجلالة فهو مكروه بلا خلاف ، وهل هي كراهة تنزيه أو تحريم فيه وجهان مشهوران في طريقة الخراسانيين ( أصحهما ) عند الجمهور وبه قطع المصنف وجمهور العراقيين وصححه الروياني وغيره من المعتمدين ، أنه كراهة تنزيه قال الرافعي : صححه الأكثرون ( والثاني ) كراهة تحريم قاله أبو إسحاق المروزي والقفال وصححه الإمام والغزالي والبغوي ، وقيل : هذا الخلاف فيما إذا وجدت رائحة النجاسة بتمامها أو قربت الرائحة من الرائحة فإن قلت الرائحة الموجودة لم تضر قطعا . قال أصحابنا : ولو حبست بعد ظهور النتن وعلفت شيئا طاهرا فزالت [ ص: 31 ] الرائحة ثم ذبحت ، فلا كراهة فيها قطعا ، قال أصحابنا : وليس للقدر الذي تعلفه من حد ولا لزمانه من ضبط ، وإنما الاعتبار بما يعلم في العادة أو يظن أن رائحة النجاسة تزول به ، ولو لم تعلف لم يزل المنع بغسل اللحم بعد الذبح ولا بالطبخ وإن زالت الرائحة به ، ولو زالت بمرور الزمان ، قال البغوي : لا يزول المنع ، وقال غيره : يزول قال أصحابنا : وكما منع لحمها يمنع لبنها وبيضها ، للحديث الصحيح في لبنها ، قال أصحابنا : ويكره الركوب عليها إذا لم يكن بينها وبين الراكب حائل ، قال الصيدلاني وغيره : إذا حرمنا لحمها فهو نجس ، ويطهر جلدها بالدباغ ، وهذا يقتضي نجاسة الجلد أيضا ، قال الرافعي : وهو نجس إن ظهرت الرائحة فيه ، وكذا إن لم تظهر على أصح الوجهين كاللحم ، قال أصحابنا : وظهور النتن وإن حرمنا اللحم ونجسناه فلا نجعله موجبا لنجاسة الحيوان في حياته ، فإنا لو نجسناه صار كالكلب لا يطهر جلده بالدباغ ، بل إذا حكمنا بتحريم اللحم كان الحيوان كما لا يؤكل لحمه ، فلا يطهر جلده . ويطهر بالدباغ ، والله أعلم .

( فرع ) السخلة المرباة بلبن الكلبة لها حكم الجلالة المعتبرة ، ففيها وجهان ( أصحهما ) يحل أكلها ( والثاني ) لا يحل ، وسبق بيانهما في أول هذا الباب ، قال أصحابنا : ولا يحرم الزرع المزبل ، وإن كثر الزبل في أصله ، لا ما يسقى من الثمار والزروع ماء نجسا ، وقد سبق في باب إزالة النجاسة بيان هذا مع نظائره .

( فرع ) لو عجن دقيق بماء نجس وخبزه فهو نجس يحرم أكله ويجوز أن يطعمه لشاة أو بعير أو بقرة ونحوها ، نص عليه الشافعي - رحمه الله - ، ونقله عن نصه البيهقي في كتاب السنن الكبير في باب نجاسة [ ص: 32 ] الماء الدائم ، واستدل البيهقي بالحديث المشهور وفي فتاوى صاحب الشامل أنه يكره إطعام الحيوان المأكول نجاسة ، وهذا لا يخالف نص الشافعي في الطعام ، لأنه ليس بنجس العين ، ومراد صاحب الشامل نجس العين ، ولا يجوز إطعام الطعام المعجون بماء نجس لصعلوك وسائل وغيرهما من الآدميين بلا خلاف لأنه منهي عن أكل المتنجس بخلاف الشاة والبعير ونحوهما ، وقال ابن الصباغ في الفتاوى : ولا يكره أكل البيض المصلوق بماء نجس كما لا يكره الوضوء بماء سخن بالنجاسة ، والله أعلم .

( فرع ) في مذاهب العلماء في الجلالة . قد ذكرنا أن مذهبنا أنه إذا تغير لحمها كرهت كراهة تنزيه على الأصح ، ولا تحرم ، سواء لحمها ولبنها وبيضها ، وبه قال الحسن البصري ومالك وداود ، وكذا لا يحرم ما سقي من الثمار والزروع ماء نجسا . وقال أحمد : يحرم لحم الجلالة ولبنها حتى تحبس وتعلف أربعين يوما ، قال : ويحرم الثمار والزروع والبقول المسقية ماء نجسا ، والله أعلم .

واحتج أصحابنا لعدم التحريم أن ما تأكله الدابة من الطاهرات يتنجس إذا حصل في كرشها ، ولا يكون غذاؤها إلا بالنجاسة ، ولا يؤثر ذلك في إباحة لحمها ولبنها وبيضها ، ولأن النجاسة التي تأكلها تنزل في مجاري الطعام ولا تخالط اللحم ، وإنما ينتشي اللحم بها ، وذلك لا يوجب التحريم ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية