صفحة جزء
[ ص: 81 ] قال المصنف - رحمه الله تعالى - ولا يحل شيء من الحيوان المأكول سوى السمك والجراد إلا بذكاة لقوله تعالى { حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب } ويحل السمك والجراد من غير ذكاة لقوله صلى الله عليه وسلم : { أحلت لنا ميتتان السمك والجراد } ولأن ذكاتهما لا تمكن في العادة فسقط اعتبارها .


( الشرح ) هذا الحديث سبق بيانه واضحا في باب الأطعمة وذكرنا أنه من رواية ابن عمر ، وأن الصحيح أن ابن عمر هو القائل " أحلت لنا " وأنه يكون بهذه الصيغة مرفوعا ، والميتة ما فارقت الحياة بغير ذكاة ، وقوله تعالى { وما أهل لغير الله به } أي ما ذبح لصنم ونحوه ، وقد سبق بيان هذا واضحا في باب الأضحية والموقوذة المضروبة بعصا ونحوها ، والمتردية التي تسقط من علو فتموت ، والنطيحة المنطوحة ، وقول المصنف : لا يحل شيء من الحيوان المأكول سوى السمك والجراد إلا بذكاة كلام صحيح ، ولا يرد الصيد الذي قتلته جارحة أو سهم ، فإن ذلك ذكاته ، وكذا الجنين في بطن أمه ، فإن ذكاة أمه ذكاة له كما جاء به الحديث ، وقد أوضحه المصنف في أواخر هذا الباب ، وكذا الحيوان الذي تردى في بئر أو بند ، فإنه يقتل حيث أمكن وذلك ذكاة له كما ذكره المصنف بعد هذا ، والله أعلم .

وقد أجمعت الأمة على تحريم الميتة غير السمك والجراد ، وأجمعوا على إباحة السمك والجراد ، وأجمعوا أنه لا يحل من الحيوان غير السمك [ ص: 82 ] والجراد إلا بذكاة أو ما في معنى الذكاة ، كما ذكرنا ، فلو ابتلع عصفورا حيا فهو حرام بلا خلاف ، وقد سبق بيانه في الأطعمة . ولو ذكى الحيوان وله يد شلاء فهل تحل بالذكاة ؟ فيه وجهان ( الصحيح ) الحل ( والثاني ) أنها ميتة فلا تحل والله أعلم .

أما السمك والجراد فحلال ، وميتتهما حلال بالإجماع ، ولا حاجة إلى ذبحه ولا قطع رأس الجراد ، قال أصحابنا : ويكره ذبح السمك إلا أن يكون كبيرا يطول بقاؤه فوجهان ( أصحهما ) يستحب ذبحه راحة له ( والثاني ) يستحب تركه ليموت بنفسه . ولو صاد مجوسي سمكة حلت بلا خلاف ، لأن ميتتها حلال ، ولو ابتلع سمكة حية أو قطع فلقة منها وأكلها أو ابتلع جرادة حية أو فلقة منها فوجهان ( أصحهما ) يكره ولا يحرم ( والثاني ) يحرم ، وبه قطع الشيخ أبو حامد ، ولو وجدت سمكة في جوف سمكة فهما حلال كما لو ماتت حتف أنفها ، بخلاف ما لو ابتلعت عصفورا أو غيره فوجد في جوفها ميتا ، فإنه حرام بلا خلاف ، ولو تقطعت سمكة في جوف سمكة وتغير لونها لم تحل على أصح الوجهين لأنها كالروث والقيء ، ولو قلى السمك قبل موتها وطرحها في الزيت المغلي وهي تضطرب ، قال الشيخ أبو حامد : لا يحل فعله ، لأنه تعذيب ، وهذا تفريع على اختياره في ابتلاع السمكة حية أنه حرام ، فإن قلنا بكراهة ذلك فلا يحرم ، فكذا هذا .

( وأما ) السمك الصغار الذي ، يقلى ويشوى ولا يشق جوفه ، ولا يخرج ما فيها ، ففيه وجهان ( أحدهما ) لا يحل أكله ، وبه قال الشيخ أبو حامد ، لأن روثه نجس ( والثاني ) يحل ، وبه قال القفال ، وصححه الفوراني وغيره ، قال الروياني : وبه أفتي قال : ورجيعه طاهر عندي ، واحتج له غيره بأنه يعتد ببيعه ، وقد جرى الأولون على المسامحة .

( فرع ) ذكرنا أن مذهبنا إباحة ما صاده المجوسي من السمك [ ص: 83 ] ومات في يده ، وهكذا الجراد ( فأما ) السمك فمجمع عليه ( وأما ) الجراد فوافقنا عليه الأوزاعي وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وجمهور العلماء ، قال الليث ومالك : لا يؤكل ما صاده من الجراد ، بخلاف السمك ، وفرقهما ضعيف ، دليلنا حديث : { أحلت لنا ميتتان } .

( فرع ) قد ذكرنا أن مذهبنا إباحة ميتات السمك ، سواء الذي مات بسبب والذي مات حتف أنفه ويسمى الطافي وبه قال جمهور العلماء ، خلافا لأبي حنيفة وطائفة ، وقد سبقت المسألة مبسوطة بأدلتها في باب الأطعمة .

( وأما ) الجراد فتحل ميتته سواء مات بسبب أو حتف أنفه ولا يشترط قطع رأسه . هذا مذهبنا ، وبه قال أبو حنيفة وأحمد وجماهير العلماء قال العبدري : هو قول محمد بن الحكم والأبهري المالكيين ، وعامة العلماء ، وقال مالك : لا تحل إلا إذا مات بسبب بأن يقطع بعضه أو يسلق أو يشوى أو يقلى حيا ، وإن لم يقطف رأسه ، قال : فإن مات حتف أنفه أو في وعاء لم يؤكل وهذا رواية عن أحمد ، والصحيح عندنا ما قدمناه ، دليلنا ما ذكره المصنف

التالي السابق


الخدمات العلمية