صفحة جزء
[ ص: 169 ] كتاب البيوع قال المصنف - رحمه الله تعالى - البيع جائز والأصل فيه قوله تعالى { وأحل الله البيع وحرم الربا } وقوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم }


( الشرح ) قوله تعالى : ( إلا أن تكون تجارة ) هو استثناء منقطع ، أي لكن لكم أكلها بتجارة عن تراض منكم ، قال العلماء : خص الله سبحانه وتعالى الأكل بالنهي تنبيها على غيره ، لكونه معظم المقصود من المال ، كما قال تعالى : { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما } وقوله تعالى : { الذين يأكلون الربا } وأجمعت الأمة على أن التصرف في المال بالباطل حرام سواء كان أكلا أو بيعا أو هبة أو غير ذلك ، وقوله تعالى ( بالباطل ) قال ابن عباس وغيره : " إلا بحقها " قال أهل المعاني : الباطل اسم جامع لكل ما لا يحل في الشرع كالربا والغصب والسرقة والخيانة وكل محرم ورد الشرع به ، قال الواحدي : أجمعوا على أن هذا الاستثناء منقطع ، وقوله تعالى { إلا أن تكون تجارة } فيها قراءتان : الرفع والنصب ، فمن رفع جعل ( كان ) تامة ، إلا أن تقع تجارة ، ومن نصب قال : تقديره : إلا أن يكون المأكول تجارة أو إلا أن تكون الأموال أموال تجارة فحذف المضاف ، قال الواحدي : والأجود الرفع ، لأنه أدل على انقطاع الاستثناء ولأنه لا يحتاج إلى إضمار .

وأما صاحب الحاوي فبسط تفسير الآية في الحاوي فقال : قوله تعالى : ( أموالكم ) فيه تأويلان : ( أحدهما ) المراد مال كل إنسان في نفسه ، [ ص: 170 ] أي لا يصرفه في المحرمات ( والثاني ) معناه لا يأخذ بعضكم مال بعض كما قال تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم } ( وقوله ) بالباطل ، قيل : معناه الصرف في المحرمات ، وقيل : النهب والغارات ، ( والثالث ) التجارات الفاسدة ونحوها ، والمختار ما قدمنا عن ابن عباس وأهل المعاني ، والله تعالى أعلم . وأما قوله تعالى : { وأحل الله البيع وحرم الربا } فقد ذكر الشافعي - رحمه الله - في كتاب الأم تفسيرها مستوفى مع اختصار ، وشرحه صاحب الحاوي فقال : قال الشافعي : ومعنى الآية أربعة أقوال : ( أحدها ) أنها عامة فإن لفظها لفظ عموم يتناول كل بيع ، ويقتضي إباحة جميعها إلا ما خصه الدليل ، وهذا القول أصحها عند الشافعي وأصحابنا . قال في الأم : هذا أظهر معاني الآية . قال صاحب الحاوي والدليل لهذا القول أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيوع كانوا يعتادونها ولم يبين الجائز ، فدل على أن الآية الكريمة تناولت إباحة جميع البيوع إلا ما خص منها ، وبين صلى الله عليه وسلم المخصوص ، قال : فعلى هذا في العموم قولان ( أحدهما ) إنه عموم أريد به العموم ، وإن دخله التخصيص ( والثاني ) إنه عموم أريد به الخصوص ، قال : والفرق بينهما من وجهين ( أحدهما ) أن العموم المطلق الذي يراد به العموم ، وهو ما يجري على عمومه ، وإن دخله تخصيص كان الخارج منه بالتخصيص أقل مما بقي على العموم .

( والوجه الثاني ) أن البيان فيما أريد به الخصوص مقدم على اللفظ ، وفيما أريد به العموم متأخر عن اللفظ أو مقترن به ، قال : وعلى القولين جميعا يجوز الاستدلال بهذه الآية الكريمة في المسائل المختلف فيها . ما لم يقم دليل تخصيص ، وإخراجها من العموم .

[ ص: 171 ] والقول الثاني ) من الأقوال الأربعة : إنها مجملة لا يعقل منها صحة بيع من فساده إلا ببيان النبي صلى الله عليه وسلم ودليله أن في البياعات الجائز وغيره ، وبين في الآية ما يميز هذا من ذاك ، فاقتضت كونها مجملة ، فعلى هذا هل هي مجملة بنفسها ؟ أم بعارض ؟ فيه وجهان لأصحابنا ( أحدهما ) أنها مجملة بنفسها ، لأن قوله تعالى { وأحل الله البيع } يقتضي جواز البيع متفاضلا ، وقوله تعالى { وحرم الربا } يقتضي تحريم بيع الربوي متفاضلا فصار آخرها معارضا لأولها ، فحصل الإجمال فيها بنفسها ( والثاني ) أنها مجملة بغيرها ، لأنها جواز كل بيع من غرر ومعدوم وغيرهما وقد وردت السنة بالنهي عن بيع الغرر وبيع الملامسة وغيرهما فوقع الإجمال فيها بغيرها ، قال : ثم اختلف أصحابنا في الإجمال على وجهين ( أحدهما ) أن الإجمال وقع في المعنى المراد به دون صيغة لفظها ، لأن لفظ البيع اسم لغوي ولم يرد من طريق الشرع ، ومعناه معقول ، لكن لما قام بإزائه من الشبه ما يعارضه ، تدافع العمومان وحدهما ولم يتعين المراد منهما إلا ببيان الشبه ، فصارا مجملين لهذا المعنى ، لأن هذا اللفظ مشكل المعنى .

( والثاني ) أن اللفظ محتمل ، والمعنى المراد منه مشكل ، لأنه لما لم يكن المراد من اللفظ ما وقع عليه الاسم تبينا أن له شرائط لم تكن معقولة في اللغة ، خرج اللفظ بالشرائط عن موضوعه في اللغة إلى ما استقرت عليه شرائط الشرع ، وإن كان له في اللغة معان معقولة كما قلنا في الصلاة إنها مجملة لأنها متضمنة شرائط لم تكن معقولة في اللغة كالخضوع ، فكذلك البيع ، قال الماوردي : وعلى الوجهين لا يجوز الاستدلال بها على صحة بيع ولا فساده ، وإن دلت على صحة البيع من أصله قال . وهذا هو الفرق بين العموم والمجمل حيث جاز الاستدلال بظاهر العموم ، ولم يجز الاستدلال بظاهر المجمل ، والله أعلم .

[ ص: 172 ] والقول الثالث ) من الأربعة يتناولهما جميعا فيكون عموما دخله التخصيص ، ومجملا لحقه التفسير ، لقيام الدلالة عليها ، قال الماوردي واختلف أصحابنا في وجه دخول ذلك فيهما على ثلاثة أوجه ( أحدها ) أن العموم في اللفظ والإجمال في المعنى ، فيكون اللفظ عاما مخصوصا ، والمعنى مجملا لحقه التفسير ( والثاني ) أن العموم في قوله تعالى { وأحل الله البيع } والإجمال في قوله { : وحرم الربا } ( والثالث ) أنه كان مجملا ، فلما بينه النبي صلى الله عليه وسلم صار عاما ، فيكون داخلا في المجمل قبل البيان ، وفي العموم بعد البيان ، قال : فعلى هذا الوجه يجوز الاستدلال بظاهرها في البيوع المختلف فيها كالقول الثاني .

( والقول الرابع ) إنها تناولت بيعا معهودا ، ونزلت بعد أن أحل النبي صلى الله عليه وسلم بيوعا وحرم بيوعا ، فقوله تعالى : ( وأحل الله البيع ) أي البيع الذي بينه النبي صلى الله عليه وسلم من قبل ، وعرفه المسلمون منه ، فتناولت الآية بيعا معهودا ، ولهذا دخلت الألف واللام لأنهما للعهد أو للجنس ، ولا يكون الجنس هنا مرادا لخروج بعضه عن التحليل ، فعلم أن المراد العهد ، فعلى هذا لا يجوز الاستدلال بظاهرها على صحة بيع ولا فساده ، بل يرجع فيما اختلف فيه إلى الاستدلال بما تقدمها من السنة التي عرف بها البيوع الصحيحة ، فيحصل الفرق بينها وبين المجمل من وجه ، وبينها وبين العموم من وجهين .

( فأما ) الوجه الواحد فهو أن بيان النبي صلى الله عليه وسلم للبيوع كان قبل نزولها ، وبيان المجمل يكون مقترنا للفظ ، أو متأخرا عنه على مذهب من يجوز تأخير البيان ، وأما الوجهان ( فأحدهما ) ما سبق من تقديم البيان في المعهود ، وإقرار بيان التخصيص بالعموم ( والثاني ) جواز الاستدلال بظاهر العموم دون ظاهر المعهود ، هذا آخر كلام الماوردي ، وذكر أصحابنا نحوه ، واتفقوا على نقل هذه الأقوال الأربعة عن الشافعي ، [ ص: 173 ] واتفقوا على أن أصحها عند الشافعي أن الآية عامة تتناول كل بيع إلا ما نهى الشرع عنه ، والله أعلم ( فرع ) أما الحكم الذي ذكره المصنف وهو جواز البيع ، فهو مما تظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة وإجماع الأمة ، وأجمعت الأمة على أن المبيع بيعا صحيحا يصير بعد انقضاء الخيار ملكا للمشتري ، قال الغزالي في أول بيوع الوسيط : أجمعت الأمة على أن البيع سبب لإفادة الملك ، والله سبحانه وتعالى أعلم .

( فرع ) قال أصحابنا : وإذا انعقد البيع لم يتطرق إليه الفسخ إلا بأحد سبعة أسباب ، وهي خيار المجلس ، وخيار الشرط ، وخيار العيب ، وخيار الخلف ، بأن كان شرطه كاتبا فخرج غير كاتب ، والإقالة ، والتخالف ، وتلف المبيع ، وأما خيار الرؤية ففي بيع الغائب إذا جوزناه فهو ملتحق في المعنى بخيار الشرط ، والله تعالى أعلم .

( فرع ) قال ابن قتيبة وغيره : يقال : بعت الشيء بمعنى بعته وبمعنى شريته ، ويقال شريت الشيء بمعنى شريته وبعته ، وأكثر الاستعمال : بعته إذا أزلت الملك فيه بالمعاوضة ، واشتريته إذا تملكته بها ، قال الأزهري : العرب تقول : بعت بمعنى بعت ما كنت ملكته ، وبعت بمعنى اشتريت ، قال : وكذلك شريت بالمعنيين ، قال : وكل واحد مبيع وبائع ، لأن الثمن والمثمن كل منهما مبيع ، ويقال : بعته أبيعه فهو مبيع ومبيوع ، مخيط ومخيوط ، قال الخليل : والمحذوف من مبيع واو مفعول ، لأنها زائدة ، فهي أولى بالحذف ، وقال الأخفش : المحذوف عين الكلمة ، قال المازني : كلاهما حسن ، وقول الأخفش أقيس ، والابتياع الاشتراء ، وبايعته وتبايعنا واستبعته سألته أن يبيعني ، وأبعت الشيء عرضته للبيع ، وبيع الشيء - بكسر الباء وضمها - والكسر أفصح وبوع - بضم الباء وبالواو - لغة فيه ، وكذلك القول في : كيل وقيل . [ ص: 174 ] وأما الشراء ففيه لغتان مشهورتان ( أفصحهما ) المد ( والثانية ) القصر فمن مد كتبه بالألف وإلا فبالياء ، وجمعه أشرية وهو جمع نادر ، ويقال شريت الشيء أشريه شريا إذا بعته ، وإذا اشتريته كما سبق ، فهو من الأضداد على اصطلاح اللغويين ، ومن المشترك على اصطلاح الأصوليين ، قول الله تعالى { ومن الناس من يشري نفسه } وقال تعالى : { وشروه بثمن بخس } وأما حقيقة البيع في اللغة فهو مقابلة المال بالمال ، وفي الشرع مقابلة المال بمال أو نحوه تمليكا .

( فرع ) أركان البيع ثلاثة العاقدان والصيغة والمعقود عليه ، وشرط العاقد أن يكون بالغا عاقلا مختارا بصيرا ، غير محجور عليه ويشترط إسلام المشتري إن كان المبيع عبدا مسلما ، أو مصحفا ، وعصمته إن كان المبيع سلاحا .

وشروط المبيع خمسة ، أن يكون طاهرا منتفعا به معلوما مقدورا على تسليمه مملوكا لمن يقع العقد له ، ويدخل في الضابط أم الولد والمرهون والموقوف والمكلف والجاني - إذا منعنا بيعهما - والمنذور إعتاقه ، وهذا الحد ناقص ، لأنه يرد عليه المجهول والمعجوز عن تسليمه وغير المملوك ، فالصواب الحد والأول هذه الشروط ستأتي مفصلة إن شاء الله تعالى في مواضعها .

( فرع ) سبق في آخر باب الأطعمة الخلاف في أن أطيب المكاسب التجارة ؟ أم الزراعة ؟ أم الصنعة ؟

( فصل ) في الورع في البيع وغيره واجتناب الشبهات . قال الله تعالى : { وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم } وقال تعالى : { إن ربك لبالمرصاد } وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله [ ص: 175 ] صلى الله عليه وسلم يقول : { إن الحلال بين وإن الحرام بين ، وبينهما شبهات لا يعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ، ألا وإن لكل ملك حمى ، ألا وإن حمى الله محارمه ، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب } رواه البخاري ومسلم من طرق كثيرة ، وهو أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام ، وقد اختلف في عددها ، وقد جمعتها في كتاب الأربعين ، وعن أنس { أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد تمرة في الطريق فقال : لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها } رواه البخاري ومسلم ، وعن النواس بن سمعان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { البر حسن الخلق ، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس } رواه مسلم حاك - بالحاء المهملة والكاف - أي تردد فيه . وعن وابصة بن معبد رضي الله عنه قال : { أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : جئت تسأل عن البر ؟ قلت : نعم . قال : استفت قلبك ، البر ما أطمأنت إليه النفس ، واطمأن إليه القلب ، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر ، وإن أفتاك الناس وأفتوك } حديث حسن ، رواه أحمد بن حنبل والدارمي في مسنديهما وعن عقبة بن الحارث رضي الله عنه { أنه تزوج امرأة لأبي إهاب بن عزيز فأتته امرأة فقالت : إني قد أرضعت عقبة والتي تزوج بها ، فقال لها : ما أعلم أنك أرضعتني ولا أخبرتني ، فركب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فسأله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف ؟ وقد قيل ، ففارقها عقبة ونكحت زوجا غيره } رواه البخاري ، إهاب - بكسر الهمزة - وعزيز - بفتح العين بزاي مكررة وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال : { حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم دع ما يريبك [ ص: 176 ] إلى ما لا يريبك } رواه الترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح ، معناه اترك ما تشك فيه ، وخذ ما لا تشك فيه .

وعن عطية بن عروة السعدي الصحابي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا لما به البأس } رواه الترمذي وقال : هو حديث حسن ، قال البخاري : وقال حسان بن أبي سنان : " ما رأيت شيئا أهون من الورع ، دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " وحسان هذا من تابعي التابعين روى عن الحسن البصري ( فصل ) عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أجملوا في طلب الدنيا فإن كلا ميسر لما كتب له منها } رواه البيهقي بإسناد صحيح ، ورواه ابن ماجه بإسناد ضعيف .

وعن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : لا تستبطئوا الرزق فإنه لم يكن عبد يموت حتى يبلغه بآخر رزق هو له ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب من الحلال وترك الحرام } رواه ابن ماجه والبيهقي .

( فصل ) في النهي عن اليمين في البيع ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول { : الحلف منفقة للسلعة ممحقة للربح } وفي رواية : " للبر ، وفي رواية : للكسب " رواه البخاري ومسلم ، وعن أبي قتادة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { إياكم وكثرة الحلف فإنه ينفق ثم يمحق } رواه مسلم .

وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم فقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات ، قال أبو ذر : خابوا وخسروا [ ص: 177 ] من هم يا رسول الله ؟ قال : المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب } رواه مسلم ( فصل ) عن رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنه قال : { خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المصلى فرأى الناس يتبايعون فقال : يا معشر التجار ، فاستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه ، فقال : إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من اتقى الله ، وبر وصدق } رواه الترمذي ، وقال هو حديث حسن صحيح .

وعن قيس بن أبي غرزة - بغين معجمة ثم راء ثم زاي مفتوحات - الصحابي رضي الله عنه قال : { خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نسمى السماسرة فقال : يا معشر التجار إن الشيطان والإثم يحضران البيع فشوبوا بيعكم بالصدقة } رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .

وعن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال : { التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء } رواه الترمذي وقال : حديث حسن .

( فصل ) في التبكير في طلب المعيشة ، عن صخر الغامدي الصحابي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { اللهم بارك لأمتي في بكورها وكان إذا بعث سرية أو جيشا بعثهم أول النهار ، وكان صخر رجلا تاجرا ، وكان إذا بعث تجارة بعثهم أول النهار ، فأثرى وكثر ماله } رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن .

( فصل ) في استحباب السماحة في البيع والشري والتقاضي والاقتضاء وإرجاح المكيال والميزان قال الله تعالى : { وما تفعلوا من خير فإن الله به عليم } وقال تعالى : { ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط [ ص: 178 ] ولا تبخسوا الناس أشياءهم } وقال تعالى : { ويل للمطففين } الآية . وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى } رواه البخاري .

وعن جابر قال : { اشترى مني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا فوزن لي وأرجح } رواه البخاري ومسلم . وعن سويد بن قيس قال : { جلبت أنا ومخرمة العبدي بزا من هجر فجاءنا النبي صلى الله عليه وسلم فسامنا بسراويل وعندي وزان يزن بالأجر فقال النبي صلى الله عليه وسلم للوازن : زن وأرجح } رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح .

وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { اسمح يسمح لك } رواه ابن أبي عاصم

( فصل ) عن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما } رواه البخاري ومسلم .

وعن جرير بن عبد الله قال : { بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والنصح لكل مسلم } رواه البخاري ومسلم .

وعن تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الدين النصيحة ، قلنا لمن ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم } رواه مسلم .

وعن أنس رضي الله عنه قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه } رواه البخاري ومسلم

( فصل ) عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { : من أصاب من شيء فليلزمه } رواه ابن ماجه بإسناد جيد .

وعن نافع مولى ابن عمر [ ص: 179 ] { قال : كنت أجهز إلى الشام وإلى مصر فجهزت إلى العراق فأتيت عائشة رضي الله عنها فقلت : يا أم المؤمنين كنت أجهز إلى الشام فجهزت إلى العراق ، فقالت : لا تفعل ، ما لك منزل ، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا سبب الله لأحد رزقا من وجه فلا يدعه حتى يتغير له أو يتنكر } رواه ابن ماجه بإسناد فيه ضعف .

( فصل ) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أحب البلاد إلى الله مساجدها ، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها } رواه مسلم ، وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه من قوله : { لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق ، ولا آخر من يخرج منها ، فإنها معركة الشيطان ، وبها ينصب رايته } رواه مسلم هكذا موقوفا على سلمان ، ورواه الرقاني في صحيحه عن سلمان قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا تكن أول من يدخل السوق ، ولا آخر من يخرج منها فيها باض الشيطان وفرخ } قال الماوردي وغيره : الذم لمن أكثر ملازمة السوق وصرف أكثر الأوقات إليها والاشتغال بها عن العبادة وهذا كما قالوه ، لثبوت الأحاديث في دخول النبي صلى الله عليه وسلم الأسواق مع نص القرآن ، قال الله تعالى : { وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق } وقال تعالى : { وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق } . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : { خرج النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة النهار لا يكلمني ولا أكلمه ، حتى جاء سوق بني قينقاع ثم انصرف } رواه البخاري ومسلم ، قينقاع قبيلة من اليهود - بفتح القاف الأولى وضم النون وفتحها وكسرها - وعن أنس { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في السوق فقال [ ص: 180 ] رجل : يا أبا القاسم فالتفت إليه } وذكر تمام الحديث رواه البخاري .

وعن بريدة قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل السوق قال : بسم الله اللهم إني أسألك خير هذه السوق وخير ما فيها ، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها ، اللهم إني أعوذ بك أن أصيب فيها يمينا فاجرة ، أو صفقة خاسرة } رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين .

( فصل ) سبق في مقدمة هذا الشرح أن من أراد التجارة لزمه أن يتعلم أحكامها فيتعلم شروطها ، وصحيح العقود من فاسدها ، وسائر أحكامها ، وبالله التوفيق .

( فصل ) مذهبنا أن الإشهاد على عقد البيع والإجارة وسائر العقود غير النكاح والرجعة مستحب ، وليس بواجب ، وقد صرح المصنف بهذا اللفظ بحروفه في أول كتاب الشهادات ، واستدل المصنف وغيره للاستحباب بقوله تعالى : ( { وأشهدوا إذا تبايعتم } ) هذا مذهبنا ، قال ابن المنذر وبه قال أبو أيوب الأنصاري وأبو سعيد الخدري والشعبي والحسن وأصحاب الرأي وأحمد وإسحاق ، وبهذا قال جمهور الأمة من السلف والخلف ، قال ابن المنذر : وقالت طائفة : يجب الإشهاد على البيع ، وهو فرض لازم يعصى بتركه ، قال : روينا هذا عن ابن عباس قال : وكان ابن عمر إذا باع بنقد أشهد ، ولم يكتب ، قال : وروينا عن مجاهد قال : ثلاثة لا يستجاب لهم دعوة : رجل باع بنقد فغش قال : وروينا نحو هذا عن أبي بردة بن أبي موسى وأبي سليمان المرعشي ، واحتجوا بقوله تعالى : { وأشهدوا إذا تبايعتم } واحتج الجمهور بالأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم باع واشترى ، ولم ينقل الإشهاد في ذلك وكذلك الصحابة [ ص: 181 ] في زمنه وبعده ، وحملوا الآية الكريمة على الاستحباب لما ذكرناه ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية