صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( وأما الأعيان الطاهرة فضربان ضرب لا منفعة فيه وضرب فيه منفعة ( فأما ) ما لا منفعة فيه كالحشرات والسباع التي لا تصلح للاصطياد ، والطيور التي لا تؤكل ولا تصطاد ، كالرخمة والحدأة وما لا يؤكل من الغراب ، فلا يجوز بيعه ، لأن ما لا منفعة فيه لا قيمة له ، فأخذ العوض عنه من أكل المال بالباطل وبذل العوض فيه من السفه )


( الشرح ) قد قدمنا أن شروط المبيع خمسة ( إحداها ) أن يكون منتفعا به ، وهذا شرط لصحة البيع بلا خلاف ، قال أصحابنا : ولعدم [ ص: 286 ] المنفعة سببان ( أحدهما ) القلة كالحبة والحبتين من الحنطة والزبيب ونحوهما ، فإن هذا القدر لا يعد مالا ، قالوا : ولا ينظر إلى حصول النفع به إذا ضم إليه غيره ولا إلى ما قد يفرض من وضع الحبة في فخ يصطاد به ، لأن هذه منفعة لا تقصد ، قال أصحابنا : لا فرق في هذا كله بين زمن الرخص والغلاء ، قال أصحابنا : ولا خلاف أنه لا يجوز أخذ هذه الحبة من صبرة الغير ، فإن أخذها كان عاصيا ولزمه ردها ، فإن تلف فوجهان ( الصحيح ) أنه لا ضمان فيها إذ لا مالية لها ( والثاني ) وهو قول القفال : يلزمه ضمان مثلها لأنها مثلية ، وهذا الذي ذكرناه من بطلان بيع الحبة ونحوها مما لا منفعة فيه لقلته هو المذهب وبه قطع الأصحاب في كل الطرق وشذ المتولي فحكى وجها ضعيفا أنه يصح بيعه وليس بشيء ( السبب الثاني ) الحية كالحشرات فلا يجوز بيعها . قال أصحابنا : الحيوان الطاهر المملوك من غير الآدمي قسمان ( قسم ) ينتفع به فيجوز بيعه كالإبل والبقر والغنم والخيل والبغال والحمير والظباء والغزلان والصقور والبزاة والفهود والحمام والعصافير والعقاب ، وما ينتفع بلونه كالطاوس ، أو صوته كالزرزور والببغاء والعندليب ، وكذلك القرد والفيل والهرة ودود القز والنحل ، فكل هذا وشبهه يصح بيعه بلا خلاف ، لأنه منتفع به وهذا الذي ذكرناه من صحة بيع النحل هو إذا شاهده المتعاقدان فإن لم يشاهدا جميعه ففيه تفصيل وخلاف ، وسنوضحه في الباب الذي بعد هذا إن شاء الله تعالى حيث ذكره المصنف قال أصحابنا : ويجوز بيع الجحش الصغير بلا خلاف ، لأنه يئول إلى المنفعة ، والله أعلم .

( القسم الثاني ) من الحيوان ما لا ينتفع به فلا يصح بيعه وذلك كالخنافس والعقارب والحيات والديدان والفأرة والنمل وسائر الحشرات ونحوها . قال أصحابنا : ولا نظر إلى منافعها المعدودة من خواصها لأنها . [ ص: 287 ] منافع تافهة . قال أصحابنا : وفي معناه السباع التي لا تصلح للاصطياد ولا القتال عليها ، ولا تؤكل كالأسد والذئب والنمر والدب وأشباهها فلا يصح بيعها لأنه لا منفعة فيها قال أصحابنا : ولا ينظر إلى اقتناء الملوك لها للهيبة والسياسة ، هذا هو المذهب والمنصوص ، وبه قطع المصنف وسائر العراقيين وجمهور الخراسانيين . وحكى القاضي حسين وإمام الحرمين والغزالي وجماعة آخرون من الخراسانيين وجها شاذا ضعيفا أنه يجوز بيع السباع لأنها طاهرة والانتفاع بجلودها بالدباغ متوقع ، وضعفوا هذا الوجه بأن المبيع في الحال غير منتفع به ، ومنفعة الجلد غير مقصودة ، ولهذا لا يجوز بيع الجلد النجس بالاتفاق وإن كان الانتفاع به بعد الدباغ ممكنا ، والله أعلم . قال الرافعي : ونقل أبو الحسن العبادي - رحمه الله - وجها أنه يجوز بيع النمل في ( عسكر مكرم ) وهي المدينة المشهورة بالمشرق ، قال : لأنه يعالج به السكر وبنصيبين لأنه يعالج به العقارب الطيارة ، وهذا الوجه شاذ ضعيف ( وأما ) الحدأة والرخمة والنعامة والغراب الذي لا يؤكل فلا يجوز بيعها ، هكذا قطع به جماهير الأصحاب ، قال إمام الحرمين : إن كان في أجنحة بعضها فائدة جاء فيها الوجه السابق في بيع السباع لجلودها ، قال الرافعي إنكارا على الإمام بينهما فرق ، فإن الجلود تدبغ ولا سبيل إلى تطهير الأجنحة ( قلت : ) وجه الجواز على ضعفه الانتفاع بريشها في النبل ، فإنه وإن قلنا : بنجاسته يجوز الانتفاع به في النبل وغيره من اليابسات ، والله تعالى أعلم .

( فرع ) العلق وهو هذا الدود الأسود والأحمر الذي يخرج من الماء ، وعادته أن يلقى على العضو الذي ظهر فيه غلبة الدم فيمص دمه . هل يجوز بيعه ؟ فيه طريقان ( أصحهما ) وبه قطع إمام الحرمين والغزالي والبغوي في شرح المختصر وآخرون يجوز ، لأن فيه غرضا مقصودا وهو [ ص: 288 ] امتصاصه الدم من العضو المتألم ( والطريق الثاني ) فيه وجهان وممن حكاه المتولي ( أصحهما ) ويجوز ( والثاني ) لا ، لأنه حيوان مؤذ كالحية والعقرب .

( فرع ) اتفق أصحابنا على جواز بيع العبد الزمن ، لأنه ينتفع به للإعتاق فإنه يثاب على عتقه بلا خلاف

. ( وأما ) الحمار الزمن والبغل الزمن فلا يجوز بيعهما على المذهب وبه قطع كثيرون وحكى القاضي حسين وإمام الحرمين والغزالي وغيرهم وجها أنه يجوز بيعه للانتفاع بجلده بعد الدباغ ، وهو الوجه السابق في بيع السباع التي لا تصطاد .

التالي السابق


الخدمات العلمية