صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( ولا يجوز بيع أم الولد ، لما روى ابن عمر رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع أمهات الأولاد } ولأنه أستقر لها حق الحرية وفي بيعها إبطال ذلك فلم يجز ) .


[ ص: 290 ] الشرح ) حديث ابن عمر ( أما حكم المسألة ) فقال الشافعي والأصحاب : لا يجوز بيع أم الولد ولا هبتها ولا رهنها ولا الوصية بها ، هكذا قطع به الأصحاب وتظاهرت عليه نصوص الشافعي ، ونقل الخراسانيون أن الشافعي مثل القول في بيعها في القديم فقال جمهورهم : ليس للشافعي فيه اختلاف قول وإنما مثل القول إشارة إلى مذهب غيره ، وقال كثيرون من الخراسانيين للشافعي قول قديم أنه يجوز بيع أم الولد ، وممن حكاه صاحب التقريب ، والشيخ أبو علي السنجي والصيدلاني ، والشيخ أبو محمد وولده إمام الحرمين والغزالي وغيرهم ، فعلى هذا القديم هل تعتق بموت السيد ؟ فيه وجهان ( أحدهما ) لا ، وبه قال صاحب التقريب وأبو علي السنجي ( وأصحهما ) نعم ، قاله الشيخ أبو محمد والصيدلاني وغيرهما كالمدبر ، قال إمام الحرمين : وعلى هذا يحتمل أن تعتق من رأس المال ، ويحتمل أن تعتق من الثلث ، قلت : الأقوى من رأس المال ، لتأكد حقها ، والله أعلم .

وإذا قلنا بالمذهب : إنه لا يجوز بيعها فقضى قاض بجوازه فطريقان ( أحدهما ) وهو الذي نقله أبو علي السنجي في شرح التلخيص وإمام الحرمين وصاحب البيان وغيرهم أن في نقض قضائه وجهين ( والثاني ) أنه ينقض وجها واحدا ، وهو الذي نقله الروياني عن الأصحاب كلهم ، [ ص: 291 ] ولم يحك غيره ، قالوا : لأنه مجمع عليه الآن ، وما كان فيه من خلاف في القرن الأول فقد ارتفع وصار الآن مجمعا على بطلان بيعها ، والله أعلم . وقد حكى أصحابنا عن داود جواز بيعها مع قولهم : إنه مجمع على بطلانه الآن فكأنهم لم يعتدوا بخلاف داود وقد سبق أن الأصح أنه لا يعتد بخلافه ولا خلاف غيره من أهل الظاهر ، لأنهم نفوا القياس ، وشرط المجتهد أن يكون عارفا بالقياس وقالت الشيعة أيضا بجواز بيعها ، ولكن الشيعة لا يعتد بخلافهم ، والله سبحانه أعلم . والمعتمد في تحريم بيع أم الولد ما رواه مالك والبيهقي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه " أنه نهى عن بيع أمهات الأولاد " ، وإجماع التابعين فمن بعدهم على تحريم بيعها ، وهذا على قول من يقول من أصحابنا : إن الإجماع بعد الخلاف يرفع الخلاف ، وحينئذ يستدل بهذا الثابت عن عمر بالإجماع على نسخ الأحاديث الثابتة في جواز بيع أم الولد ( منها ) حديث { جابر قال : بعنا أمهات الأولاد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فلما كان عمر نهانا فانتهينا } رواه أبو داود بإسناد صحيح .

وفي رواية قال { كنا نبيع سرارينا وأمهات أولادنا ، والنبي صلى الله عليه وسلم حي ، لا يرى بذلك بأسا } رواه الدارقطني والبيهقي بإسناد صحيح قال الخطابي وغيره : يحتمل أن بيعها كان مباحا في أول الإسلام ، ثم نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته ، ولم يشتهر ذلك النهي إلى زمن عمر ، فلما بلغ عمر النهي نهاهم ، والله سبحانه وتعالى أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية