صفحة جزء
قال المصنف - رحمه الله تعالى - ( ويجوز بيع المصاحف وكتب الأدب لما روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه سئل عن بيع المصاحف ، فقال : لا بأس يأخذون أجور أيديهم ، ولأنه طاهر منتفع به فهو كسائر الأموال )


. ( الشرح ) اتفق أصحابنا على صحة بيع المصحف وشرائه وإجارته ونسخه بالأجرة ، ثم إن عبارة المصنف والدارمي وغيرهما أنه يجوز بيعه ، وظاهر هذه العبارة أنه ليس بمكروه ، وقد صرح بعدم الكراهة الروياني ، والصحيح من المذهب أن بيعه مكروه ، وهو نص الشافعي في كتاب اختلاف علي وابن مسعود ، وبه قطع البيهقي في كتابه السنن الكبير ، ومعرفة السنن والآثار ، والصيمري في كتابه الإيضاح وصاحب البيان ، فقال : يكره بيعه ، قال : وقيل : يكره البيع دون الشراء ، هذا تفصيل مذهبنا ، وروى الشافعي والبيهقي بإسناده الصحيح عن ابن مسعود أنه كره شري المصحف وبيعه ، قال الشافعي ولا يقول أبو حنيفة وأصحابه بهذا ، بل لا يرون بأسا ببيعه وشرائه ، قال : ومن الناس من لا يرى بأسا بالشراء ، قال الشافعي : ونحن نكره بيعها .

[ ص: 303 ] وقال ابن المنذر في الإشراف : اختلفوا في شراء المصحف وبيعه فروي عن ابن عمر أنه شدد في بيعه ، وقال : وددت أن الأيدي تقطع في بيع المصاحف ، قال : وروينا عن أبي موسى الأشعري كراهة ذلك ، قال : وكره بيعها وشراءها علقمة وابن سيرين والنخعي وشريح ومسروق وعبد الله بن يزيد ، ورخص جماعة في شرائها ، وكرهوا بيعها ، روينا هذا عن ابن عباس وسعيد بن جبير وإسحاق وقال أحمد : الشري أهون ، وما أعلم في البيع رخصة قال : ورخصت طائفة في بيعه وشرائه منهم الحسن وعكرمة والحكم وروى البيهقي بإسناده عن ابن عباس ومروان بن الحكم أنهما سئلا عن بيع المصاحف للتجارة فقالا : لا نرى أن نجعله متجرا ولكن ما عملت بيديك فلا بأس به . وعن مالك بن أنس أنه قال : لا بأس ببيع المصحف وشرائه ، وعن ابن عباس بإسناد ضعيف : " اشتر المصحف ولا تبعه " وبإسناد صحيح عن سعيد بن جبير " اشتره ولا تبعه " وعن عمر أنه قال : " كان يمر بأصحاب المصاحف فيقول : بئس التجارة " وبإسناد صحيح عن عبد الله بن شقيق التابعي المجمع على جلالته وتوثيقه قال : " وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون بيع المصاحف " . قال البيهقي : وهذه الكراهة على وجه التنزيه تعظيما للمصحف عن أن يبذل بالبيع ، أو يجعل متجرا قال : وروي عن ابن مسعود الترخيص فيه ، وإسناده ضعيف ، قال : وقول ابن عباس اشتر المصحف ولا تبعه ، إن صح عنه ، يدل على جواز بيعه مع الكراهة والله سبحانه وتعالى أعلم .

( فرع ) قال أصحابنا : يجوز بيع كتب الحديث والفقه واللغة والأدب والشعر المباح المنتفع به وكتب الطب والحساب وغيرهما ، مما فيه منفعة مباحة . قال أصحابنا : ولا يجوز بيع كتب الكفر لأنه ليس فيها منفعة مباحة بل يجب إتلافها ، وقد ذكر المصنف المسألة في أواخر كتاب السير . وهكذا كتب التنجيم والشعبذة والفلسفة وغيرها من العلوم [ ص: 304 ] الباطلة المحرمة ، فبيعها باطل ، لأنه ليس فيها منفعة مباحة ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية